العلاقة بين التعاليم المسيحية وسفر التكوين (قدسية الحياة الإنسانية)

٢- قُدسيّةُ الحياةِ الإنسانية

إن الكتابَ المُقدَّسَ يُعلِّمُنا بأنَّ البشَر يختلِفونَ اختلافاً نوعياً عن بقيةِ الكائناتِ الحيّةِ. فنحن متميّزون في أننا مخلوقونَ على صورة الله ونتمتَّعُ بحقوقٍ خاصةٍ بنا دوناً عن باقي المخلوقات. وهذا هو السببُ الأساسُ في أنَّه من غير الأخلاقيّ أن يُقتَل الإنسان، فإنه لا يحقُّ لنا أن نُفسِد من خُلِقَ على صورةَ الله بطريقة مُماثلة.

إن قُمنا بالإستقصاء، فإننا سوف نجدُ عدداً محدوداً من النّاسِ يبذلون القليلَ من الوقتِ في التفكيرِ في الحَيَواتِ التي تُخمَدُ في سبيل الحصول على وجبةٍ شهيَّةٍ من اللَّحمِ، أو شطيرةٍ من البرغر، أو طبقٍ من السَّمك. كما أننا في كلّ مرة نستنشقُ الهواءَ، فإن مجموعةً من الكائناتِ الحيَّةِ الدقيقةِ تدخلُ إلى نظامِنا الحيويّ، حيثُ يتمُّ القضاءُ عليها من قبلِ جهاز المناعةِ الخاصِّ بنا.

فلماذا لا نجدُ أحد الأشخاصِ يصيحُ ”جريمة“ حين نقوم باستهلاك القرنبيط؟

السببُ هو أنَّ كلَّ شخصٍ يعرفُ في قلبِهِ أنَّ الحيواناتَ والنباتاتَ لا تحمِلُ صورةَ اللهِ، في حين أن البشرَ وحدهَم من يحمِلُها. وسواءَ كنا نعتَرِفُ بذلكَ أم لا، فإننا جميعاً نُميِّز أن البشرَ هُم مخلوقاتٌ مُمَيَّزةٌ، وليسوا مجرّدَ كائناتٍ حيَّة تعيشُ على سطح الأرض. إذ أنَّ الخالق بذاتِهِ قد قامَ بتمييزنا عن بقيَّة الكائِنات، وذلك بِخَلْقِهِ لنا على صورته ومثاله.

وأين تعتقدُ أن هذا المبدأ الكتابيَّ قد بدأ؟

بالتأكيد، إنه في سفر التكوين.

” فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».“ (تكوين ١: ٢٧-٢٨)

أما النباتاتُ فقد خُلقت كطعامٍ للإنسان (تكوين ١: ٢٩). فإنَّ ”قَتل“ جزرة واستهلاكها لا يشكلُّ معضلةً أخلاقيةً – إذ أنَّ اللهَ قد خلقها لهذا الغاية. وفي سفر التكوين ٩: ٢-٣، نجد أن الله قد وسَّعَ القائمةَ الغذائيّةَ للإنسانِ لتشملَ الحيوانات ايضاً. ولكنَّ قتلَ الإنسانِ هو أمرٌ غير مقبولٍ (تكوين ٤: ٨-١٢؛ ٩:٦). وإن قُدسيَّة الحياة الإنسانيّة هي حقيقةٌ أخلاقيةٌ وجذرها ينطلق من سفرِ التكوينِ.

أما إن كان الخلق مجرَّدَ أسطورة، وإن كان البشرُ ببساطةٍ مجرّدَ حيواناتٍ متطورةٍ، فهل سيكونون متميّزين عن بقيّة الحيوانات؟ فالحيوانات لا تمتلكُ قانوناً أخلاقياً. فإن قام أسدٌ ما بقتلِ أسدٍ آخرَ، فنحن لا نقول بأن هذا خاطئٌ، ولا نضع الأسد القاتِلَ في السجن. فما يقوم به الحيوان لا يتعلق بالأخلاق. وبالتالي فإن كان الإنسانُ لا يختلفُ عن الحيوانات، فعلى أي أساسٍ يمكنُ القول بأنّ قتلَ الإنسانِ أمرٌ خاطئٌ من الناحيةِ الأخلاقيَّةِ. وفي حال قمنا بالتمييز بين الإنسان والحيوانات، فإن هذا التمييز سيكونُ أمراً تعسُّفياً وغيرَ موضوعيٍّ وخصوصاً إن كان مبنياً على الأفكارِ التطورية.

إنَّ البعضَ منَ الأشخاصِ سيقومونَ بالجدالِ على أساسِ أنَّ البشرَ أكثرَ ذكاءً من الحيواناتِ ”الأُخرى“، ولذلكَ فالبشرُ يمتلكونُ حقوقاً أكثرَ ولا يجبُ أن يُقتَلوا. لكن إن هذا المعيارَ هو معيارٌ تعسفيٌّ ويقودُ إلى استنتاجٍ خطيرٍ للغاية، يفيدُ بأنَّ البشرَ الأكثر ذكاءً يمتلكونَ حقوقاً أكثرَ من البشرِ الأقلّ ذكاءً منهم. فهل يجبُ أن يتمَّ السماحُ للشخصَ الذي يمتلكُ مُعدلَّ ذكاءٍ عالٍ أن يقوم بقتلِ الشخصَ الذي يمتلكُ مُعدلاً مُنخفضاً من الذكاء؟ بالرُّغمَ من عدمِ امكانيةِ تفادي هذا الإستنتاج عند استخدامِ ذلكَ النموذجَ من التفكيرِ فإنَّه مِنَ الواضحِ أن الإجابةَ هي بالنفي.

من وجهةِ النظرِ التطوريةِ، إنَّ البشرَ ليسُوا مُختَلِفينَ أساساً عن الحيواناتِ أو النباتات. وبالنتيجةِ فإن أي سِلسِلَةٍ من الأفكارِ التي تُقدِّمُ  تبريرا لقتلِ الحيواناتِ أو النباتاتِ يُمكنُ أن يتمَّ استخدامُها لتبريرِ قَتلِ أيّ مجموعةٍ من البشر وذلك بناءً على معاييرَ شخصيةٍ مثل العِرْقِ، العُمرِ، القُدُرات، أو الجِنْس.

فلماذا إذا لا نقومُ بإجهاضِ الأطفال المزعجينَ إن كانوا مجرّدَ أبناء عمومةْ بعيدين للقرنبيط (بحسب الإعتقاد التطوريّ)؟ إنَّ العديد من الأشخاصِ قاموا باستخدامِ هذا النموذج في الدفاعِ عن الإجهاض، إلّا أنَّ هذا النموذجَ لا يتوقَّفُ عندَ الأطفالِ الذينَ لم يُولَدوا بَعد. فلِماذا لا يَتِمُّ وأدُ أيّ طفلٍ غير مُلائمٍ بعد فترةٍ قصيرةٍ من ولادتهِ. أو لماذا لا يُقتلُ أي مُراهقٍ ناكرٍ للمعروف، أو كبار السنّ والعجزة؟ إنه لمنَ الواضح أنَّ مُعظمَ مؤيّدي التطوّرِ سينضمونَ إلينا في التنديدِ بمثلِ هذهِ الأعمالِ. لكنَّ النقطةَ هيَ أنهم غيرُ قادرينَ على تفسيرِ السَّبَبِ في أنَّ هذهِ الأعمالَ خاطئةٌ من منظورٍ تطوّريٍّ. فَهُمْ قَدْ لايقبلونَ هذهِ الفظائعَ من الناحيةِ العاطفيَّةِ. لكنَّهم غيرُ قادرينَ على تقديمِ دفاعٍ منطقيٍّ للقولِ بأنَّ هذهِ الأعمالَ خاطِئَةٌ.

إنَّ المنظورَ المسيحيَّ وحدَهُ قادرُ على تقديمِ أساسٍ منطقيٍّ للتنديدِ بالقتل على أنه عملٌ خاطئ. إنَّ المنظورَ التطوريَّ غيرُ مُتَّسقٍ مع قُدسيَّة الحياة الإنسانيَّة. ووحدَه المنظورُ الكتابيّ المسيحيّ هوَ كذلك. فالله قامَ بتعريف الحياة ومن ثُمَّ قام بالتمييز بين الحياة البشريَّة وأيِّ نوعٍ آخرَ من الحياة- وهذا الأمرُ قد ترسَّخَ ابتداءاً من سفرِ التكوين.