الأنواع الأدبية في الكتاب المقدس – الشعر

الأنواع الأدبية في الكتاب المقدس

إن السياق هو أمر حاسم حين نقوم بقراءة الكتاب المُقدَّس. يجب علينا أن نسأل، ”ما هو نوع الأدب الذي نقرأه؟“ أهو شعر؟ تاريخ؟ نبوءات؟ فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أنواع مختلفة من الأدب. والأمر الجيد هو أننا حين نريد التمييز بين هذه الأنواع في الكتاب المُقدَّس فالأمر سهلٌ جداً.

أولاً- الشعر

إن المزاميرَ تقدّمُ مثالاً رائعاً عن الكتاباتِ الشعريةِ في الكتابِ المُقدَّس، حيثُ أنَّ العديدَ منها هي أغانٍ وأناشيدَ كانتْ ترتَّلُ من قبل القُرَّاءِ، وسِياقُها الأدبيُّ يجعلُ من تمييزِها أمراً سهلاً. فحين نقرأُ مطلعَ المزمورِ التاسعَ عشرَ ”لإمامِ المغنّين، مزمورٌ لداود“- هل يوجدْ أي نوعٍ منَ الشكِّ في أنَّ ما سنقرأهُ هو كلماتٌ لأنشودةٍ قديمةٍ تُنشدُ للشكر لله؟

غالباً ما نفكرُّ بالشعرِ على أساسِ القوافي والعَروض، إلا أنَّ الشعرَ العِبرِيَّ القديمَ كان قد وُضعَ باستخدامِ ”التوازي“. إن التوازي ينطوي على بنيةٍ ثنائيّةٍ (أو أكثرَ منَ اثنينِ) حيثُ يتمُّ الإدلاءُ بتصريحٍ ما، ثمَّ بعدَ ذلكَ يُتبَعُ بتصريحٍ آخرَ يرتبطُ بهِ بشكلٍ منطقيٍّ. ويوجدُ نوعان من التوازي. الأولُ يُدعى ”التوازي المترادف“ الذي يُبنى على تصريحين متتاليين يكون بكل بساطةٍ التصريحُ الثاني هو إعادةٌ للتصريحِ الأولِ، تأكيداً له إنما باستخدامِ ألفاظٍ مختلفةٍ. وفي الغالبِ نجدُ أنَّ التصريحَ الثاني يستخدمُ ألفاظاً مرادفةً للتي استُخدِمت في التصريحِ الأول.

الآية الأولى من المزمور التاسع عشر هي خيرُ مثالٍ على ذلكَ: ”اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ.“ إنَّ التصريحَ الثانيَ أو المقطعَ الثانيَ من الآيةِ إنما هو إعادةُ للتصريحِ الأولِ باستخدامِ كلماتٍ مرادفةٍ. ”الْفَلَكُ“ هي كلمةٌ مرادفةٌ لكلمةِ ”اَلسَّمَاوَات“ و ”مَجْد الله“ يظهرُ من خلالِ ”عَمَلِ يَدَيْهِ“. والآية الثانيةُ من المزمورِ تتابعُ مستخدمةً التوازي عينه: ”يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلاَمًا، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْل يُبْدِي عِلْمًا.“ ”يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ“ ببساطةٍ تعني ”دوماً“ وذاتُ المعنى يوجدُ في ”لَيْلٌ إِلَى لَيْل“ وكذلكَ هو الحالُ فإنَّ ”إذاعة الكلام“ ترتبط بشكل وثيق ”بإبداءِ العلم“.

النوع الثاني من التوازي هو ”التوازي المُضادّ أو المُخالف“، الذي يبنى على تصريح أول يتبعهُ تصريحٌ مناقضٌ له من حيثُ المبدأ. على سبيلِ المثال نقرأ في الأمثال ١: ٧ ”مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ.“ إنَّ المقطع الأول من الآيةِ يبيّنُ الرجلَ الحكيمَ الذي يمتلكُ المخافةَ المقدَّسةَ والإحترامَ لله في حين أنَّ المقطعَ الثانيَ على النقيضِ منهُ يُبَيّن الرجلَ الجاهل الذي يُبغِضُ الحكمةَ والأدبَ.

ان التوازي هو المفتاح الذي يمكننا من تمييزِ اللغةِ الشعريةِ في الكتابِ المُقدَّسِ. وكما هو الحالُ مع الشعرِ الحديثِ، فإن اللغةَ الشعريةَ لا يجبُ أن تعالجَ بطريقةٍ حرفيَّةٍ صِرفَةٍ. فهي تستخدمُ وبشكلٍ متكررٍ صيغاً بلاغيةً بقصدِ نقلِ هدفِ المؤلِّفِ إلى القارئ. وعليهِ، فإنَّهُ من غيرِ المنطقيِّ أن يتمَّ قراءةُ سفرِ أشعياءَ ٥٥: ١٢ على أنَّه يشيرُ إلى أنَّ الأشجارَ بطريقةٍ ما ستنموا لها أيديٍ وستصفّقُ بها. إنَّ هذهِ الصيغةَ البلاغيةَ واضحةٌ، وهي تشيرُ إلى البهجةِ والفرحِ الذي يرافقُ قدومَ الربِّ.

فهل منَ الممكنِ أن يتمَّ تفسيرُ سفرِ التكوينِ على أساسِ قراءةٍ شعريةٍ للنصِ؟ هلْ يحملُ أيَّ نوعٍ منْ انواعِ التوازي المضادّ أو المترادف؟ كلا، ألبتّة.

لا نجدُ أيَّ أثرٍ للتوازي في الأحداثِ المسجّلةِ في الأصحاحِ الأولِ من سفرِ التكوين. وبين الفينةِ والأُخرى يظهرُ بعضُ الأشخاصِ الذينَ يقترحونَ بأنَّ تكرارَ عبارةِ ”وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ“ هو نوعٌ منَ الشعرِ. بالرغمِ من تكرارِ هذهِ العبارةِ في نهايةِ كلِّ يومِ من أيامِ الخلقِ، إلا أنها ليست نوعٌ من التوازي المترادف. تذكَّرْ أنَّ التوازي المترادفْ يتطلَّبُ الإدلاءَ بتصريحٍ شبهِ مطابق مع استخدامِ ألفاظٍ مترادفةٍ. لكنَّ الكلماتَ هنا هيَ متطابقةٌ. ولا يوجدُ أيَّ نوعٍ من أنواعِ الترادف. إضافةً إلى أنَّ التوازي عادةً يُتَضَمَّن في التصريحِ الذي يتبعُ بشكلٍ مباشرَ. لكنَّ خواتمَ كلَّ يومٍ من أيامِ الخليقةِ يفصلُ بينها الأحداثُ التي وقعت في كلٍّ منها.

لا يوجدُ أيّ دليلٍ منطقيٍّ على وجودِ التوازي أو أيِّ أداةٍ من أدواتِ الشعرِ في الأصحاحِ الأولِ من سفرِ التكوين. إنَّ موسى لم يكتبْ هذه الأحداثَ بطريقةٍ شعريةٍ – فإن أردنا أن نفهمَ المعنى المُتَضَمَّن يجبُ ألا نحاولَ قراءةَ سفرِ التكوينِ ككتابٍ شعريٍّ.