الموقف القائل بأن كلمة ”يوم“ تعني حُقبَةً زمنيةً
يقول البعض مجادلين بأن الكلمة التي تترجم على أنَّها ”يوم“ في الأصحاح الأول من سفر التكوين كان من الواجب أن تتمَّ ترجمتها باستعمال كلمة ”حُقبَة أو زمن“. وبالتالي فهم يقولون بأن الله لم يُتِمَّ عمل الخلق في ستة أيام اعتيادية، إنما استغرق ستةً من الحُقب الزمنية الطويلة – وكل منها قد تمتد إلى ملايين من السنوات. فهم بذلك يقولون بأن سفر التكوين هو سردٌ تاريخي، قد أُسيئت ترجمته وبالتالي أُسيء فهمه. الأمر المؤسف أننا نجد هذا الموقف منتشراً ويمتلك شعبية قوية في الكنيسة. والنقطة المؤيدة لهذا الموقف هي أن الكلمة العبرية الواردة في الأصحاح الأول والتي تشير إلى اليوم ”יֹום وتُقرأ يَوم“، قد تعني في بعض الأحيان فترةً زمنيةً تمتد لأكثر من أربعٍ وعشرين ساعة. على سبيل المثال ”فِي أَيَّامِ شَاوُلَ“ (١ أخبار ٥: ١٠)، أو ”يَوْمَ الرَّبِّ“ (يوئيل ٢: ١).
من المؤكد أن كلمة يوم قد تعني مدة زمنية أطول من ٢٤ ساعة في سياقات محددة للنص، لكن هل هو أمر مُمكن أن تحمل معنى ”حُقبة زمنية“ في سفر التكوين؟
عادة ما يقوم المدافعين عن هذا الموقف بتأييد موقفهم من خلال إقتباس حزء من رسالة بطرس الثانية ٣: ٨. ”أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ“. حيث يقدمون الأدعاء بأن الزمن يختلف كثيراً عند الله، وبالتالي فإن أيام التكوين لايجب أن تُفهَم على أنها أيام اعتيادية من منظور بشري، إنما يجب أن يتم النظر إليها على أساس كونها حُقَب زمنية طويلة. فهل هذه الآية تتناول أيام التكوين وتخبرنا بالفعل بأنها آلاف السنوات؟
قد يبدو هذا الجدل منطقياً إلا أن الإجابة هي النفي القطعيّ. إن سياق هذه الآية يتعامل مع موضوع محدد وهو إدعاء البعض بأنَّ الله تأخر في تنفيذ وعده بالعودة، وهي لا تتناول بأي شكل من الأشكال أيام الخلق!
حتى وإن كان بطرس قد شَمَل أيام الخلق على أساس أنَّ كل منها ألف سنة، فهذا الأمر لن يساعد المدافعين عن الحقب طويلة الأمد إذ أنَّ ذلك سيمدد الإطار الزمني للخلق ليقرب من ١٢٠٠٠ عام بدلا من ٦٠٠٠. إلا أن الموقف القائل بأن كلمة يوم هي حقبة زمنية طويلة يحاول ان يمدد التعليم الكتابي ليتوافق مع الإطار الزمني العلماني المُمتد لمليارات السنوات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المدافعين عن هذا الموقف يميلون لاقتباس الجزء الأول من الآية تاركين الجزء الثاني منها. ففي الوقت عينه الذي تقول الآية أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، نجد التتمة تقول أيضاً ”وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ“. وبالتالي إن كان من المنطقي أن قراءة المقطع الأول من الآية تفيد بتمديد الفترة الزمنية، فإن ذات المنطق ينطبق أيضاً على المقطع الثاني حيث أنّه سيقصّر الزمن. فنستطيع ان نجادل بأن ٢٠٠٠ سنة بين ابراهيم والمسيح ليست أكثر من يومين اعتياديّين بأربعٍ وعشرين ساعةٍ وذلك بالإعتماد على المقطع الثاني من الآية.
إنه لمن السخف أن نجادل هكذا! ولكن للأسف نجد اولئك الراغبين بايجاد تسويات يتنازلون عن الدقة التي في سفر التكوين غير ملاحظين سُخف الموقف الذي يتخذونه بتطبيق جزء مقتطع من الآية خارج سياقه الأدبي والنصي.
إن الآية التي ذكرناها في رسالة بطرس الثانية ٣: ٨ تشير وببساطة شديدة إلى أن الله غير خاضع للزمن (هو فوق الزمن)- فالألف عام عند الله ليست أكثر من يوم واحد.
بعد هذا يأتي البعض الآخر محاولين أن يقتنصوا الكلمات فيقولون ”بما أن الله هو خارج الزمن، هذا يعني أنَّه حين تكلم عن ’اليوم’، ذلك قد يعني حقبةً زمنيةً طويلةً.“ لكن هذا الافتراض بعيد كل البعد عن المنطق. فبما أنَّ الله خارج حدود الزمن، فإنه حين يتكلم عن الزمن مستخدماً فترةً زمنية معينة، فلابد أن تكون هذه الفترة مفهومةً من المنظور البشري.
اقرأ كتاب الدليل الحاسم للخلق من هنا