البداية من البداية
إنها ليست مجرّد مصادفة أنَّ الكتاب المقدس يبدأ بسفر التكوين. إذ أنَّه دون سفر التكوين لا يوجد لدينا أي مُبرر للتعاليم المسيحيّة.
لماذا مات المُخلِّص على الصليب إن كان آدم لم يوجد؟ ما هي الخطيئة إن لم يوجد حدث السقوط؟ ما هو الزواج دون آدم وحواء؟ إن الوحي الإلهي قد أعطانا الأساس التاريخي في سفر التكوين حتى نستطيع أن نفهم أساسات المبادئ والتعاليم المسيحيّة. لكن بما أن ذلك التاريخ قد تعرض للكثير من الهجمات في مجتمعاتنا المعاصرة، فنحن نرى التزايد في عدد الأشخاص الرافضين للمبادئ المسيحية المُرتكزة على سفر التكوين. ليس من المفاجئ أن نلاحظ تزايداً في عدد الأشخاص الذين يحاولون إعادة تعريف الزواج ويحاولون أيضاُ إبقاء الله خارج الحياة العامة.
لذلك فإننا إن أردنا أن نحافظ على الأخلاق المسيحية، لا بد أن نبدأ من البداية، من سفر التكوين.
حين نشاهد بعض المسيحيّين يحاولون الدفاع عن الإيمان المسيحي قد يحضر إلى الصورة أحد برامج المسابقات المشهورة في الولايات المتحدة والمدعو ”جيوباردي“. حيث أن هذا البرنامج قد قام بأمر معاكس للنظام المستخدم في برامج المسابقات بالعادة، حيث يتم تزويد المتسابق بالإجابة ويتوجب عليه أن يقدّم السؤال الصحيح. فإن كلّ مشارك في المسابقة يجب أن يبتدئ إجابته بعبارة مثل: ”من هو ــــــ؟“ أو ”ما هو ــــــ؟“ إنها نوع من المسابقات العكسية، لكن كذلك هو حال الكثير من المبشرين المسيحيّين البسطاء. فالمسيحيّين قد يقولون أشياء مثل ”المسيح هو الحل!“ لكن العالم سيجيب ”ماذا كان السؤال؟“
إن التعاليم المسيحية هي ذات معنىً في ضوء تاريخيّة سفر التكوين، لكنها لا تحمل أي معنىً فيما إذا كان التطور صحيحاً. لكن معظم التطوريّين لم يتعلموا عن التكوين. فإنهم يؤمنون بنوع من التطور الذي بدوره لن يشكّل أساساً سليماً لرسالة الإنجيل. وإن الأثر سيكون ضعيفاً لدى الناس عند إيصال رسالة الإنجيل (البشرى السّارة) إن لم يكونوا يفهمون الأخبار السيئة (أي أن الجنس البشري قد ضلَّ نتيجةً لخطية آدم).
فما الذي سيحدث إن لم تبدأ من سفر التكوين؟ فلنتأمل معاً بهذا المثال. حين يسمع الأشخاص غير المؤمنين عبارة مثل ”ضع ثقتك في المسيح فتَخلُص“، من المُعتاد أن تكون إجابتهم تحمل إحدى العبارات التالية ”ما الذي سأخلُص منه؟ أنا أُسَيّر أموري بشكل جيّد. ومن هو يسوع هذا؟ ألم يكن أحد المعلّمين القدماء أو الرسل القدماء؟ ولماذا أثق به وليس بأحد آخر من الرسل مثل بوذا أو محمد؟“ سيجيب المسيحي، ”آمن بالمسيح يسوع، وسوف تذهب إلى الفردوس حين تموت.“ سيجيب غير المؤمن ”لماذا يجب أن اؤمن بذلك. أنا شخص جيد. لم أقتُل أي شخص، ولا أخون زوجتي. وبالتالي أعتقد أن الله سوف يأخذني إلى الفردوس. وبالمناسبة، ألم يقم العلماء بإبطال الكتاب المُقدَّس؟“
إن هذا النوع من الإجابات متكرر ومعتاد في المجتمعات التي لا تمتلك الفهم الوافي للإله كخالق. إن الله هو فائق القداسة والعدل، أما الخطيئة فهي خيانة عظيمة لملك الملوك وربّ الأرباب. والله لن يكون كُلِّيَ القداسة إن سمح للخيانة أن تمرّ دون عقوبة. وسفر التكوين يُعلّمنا أن خطيئة واحدة هي كافية لتجعلنا غرباء عن علاقة الشركة التي لنا مع الخالق. وهذه الخطيئة لا يجب أن تكون زنىً أو قتل. فإن كل ما فعله آدم كان هو الأكل من شجرة. لكن ذلك الفعل كان خيانة إذ أنَّه كان ضد أمر الله. والعقوبة المُقرَّرة كانت الموت. إن جمال رسالة الإنجيل هو أنَّ الإله قد أخذ عقوبتنا حاملاً إياه بجسد بشريّته معلقا إياها على الصليب ليعطي الحرية والخلاص من لعنة الخطية لكل من يؤمن ويضع ثقته ورجاءه عليه. هذا هو ملخَّص رسالة الإنجيل. هذه هي الرسالة أعلنها الله أولاً في سفر التكوين.