٢٧ يناير ٣٨٠م

في مثل هذا اليوم، في السابع والعشرين من شهر يناير من العام ٣٨٠م،

أعلن الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول أن المسيحية هي الديانة الأسمى للإمبراطورية الرومانية.

يعتبر ثيودوسيوس الأول (الكبير) أعظم الأباطرة الرومان دون منازع. كان ابن امبراطوراً قُتل بتهمة الخيانة، ويسجل عنه أحد المؤرخين أنَّه ”تنقل بين متناقضات، من النشاطات إلى الكسل المفرط، ومن حياة الجندي البسيط إلى بذخ حياة البلاط.“ إن هذا الإمبراطور المغمور كان قد غيّر مجرى التاريخ المسيحي بأكثر من طريقة. فهو قد استخدم سلطته لفرض المعتقد المسيحي المستقيم الرأي بشكل رسمي، إلا أنَّه قد وضع سلطته تحت سلطة الكنيسة، وبذلك قام بالتأسيس لقاعدة استمرت لمدة تجاوزت الألف عام.

ابتدأ ثيودوسيوس المتألق مسيرته المهنية بطريقة اعتيادية. كان قد وُلِدَ في شمال غرب اسبانيا من أب تميّز بكونه قائداً عسكرياً موهوباً. تلقى ثيودوسيوس تدريبه العسكري من خلال مشاركته في حملة والده العسكرية التي دافعت عن بريطانيا وبعض المناطق الأُخرى.

بعد أن تم تتويجه امبراطوراً في العام ٣٧٩، تابع في محاربة القبائل الجرمانية في الشمال، ولكنه توصَّل إلى اتفاق فريد معهم، وكان ينص على تبادل الأراضي والمؤن مقابل انخراط جنودهم في القتال تحت راية الإمبراطورية الرومانية عند الحاجة. كان هذا الإتفاق غير مألوف في تلك الفترة، وقد اعتمده الأباطرة الذين أتوا في وقت لاحق.

في سبيل دفع تكاليف هذه الإضافات العسكرية على الجيش، لجأ ثيودوسيوس إلى رفع الضرائب بطريقة قاسية. وأصدر مرسوماً ينص على أنَّه لايجوز لأي إنسان أن يمتلك أية ممتلكات معفاة من الضرائب. كانت أوامره صارمة للغاية إلى درجة أنَّه أمر بجلد مسؤولي المدينة الذين يفشلون في تحصيل الضرائب المطلوبة منهم بكفاءة وفعالية.

لكن لم يكن الأشخاص المتهربين من الضرائب وحدهم من أثاروا اهتمامه، بل امتد الأمر إلى الهراطقة والوثنيّين.

خلال معاناته من مرض خطير، قبل ثيودوسيوس المعمودية المسيحية، وأعلن في العام ٣٨٠م ايمانه المسيحي وفق دستور الإيمان النيقاوي، ودعا إلى عقد مجمع القسطنطينية لوضع حدّاً للهرطقة الآريوسية التي تسببت بتقسيم الإمبراطورية لمدة تجاوزت نصف قرن. اجتمع حينها مئة وخمسون أسقفاً وقاموا بإجراء مراجعة قانون الإيمان النيقاوي من عام ٣٢٥م ليقرّوا قانون الإيمان بصورته الحالية. كانت تلك نهاية الهرطقة الآريوسية التي لم تشكل خطراً منذ ذلك الحين.

بعد تحقيقه لهذا الإنتصار، حاول أن يقوم بفرض اختياره لبطريرك القسطنطينية، إلا أنَّ الأساقفة ثاروا عليه وطالبوه بتعيين أسقف من قائمة قصيرة كانوا قد أعدّوها مسبقاً. وكانت تلك الحادثة هي واحدةً من بين المواقف القليلة التي انتصرت فيها الكنيسة عليه.

من أهم الأمثلة عن المواجهات بينه وبين الكنيسة هو ما حدث في العام ٣٨٧، وذلك حين ثارت مدينة تسالونيكي مُحدِثةً أعمال شغبٍ وسلبٍ ونهب، دعماً لقائد عربةً مشهور بسبب شذوذه الجنسي حيث أنَّه كان قد وضع في السجن، فأمر ثيودوسيوس بالإنتقام حيث تمَّ الإعلان عن سباق للعربات، وتجمع المواطنون في الساحة، وأغلقت البوابات، ليتم إرسال الجند ليقتلوا حوالي ٧٠٠٠ شخص في ذلك اليوم.

غضب أمبروزيوس الذي كان أسقف ميلانو وشغل منصب المستشار الروحي والسياسي لثيودوسيوس، ورافض مشاركة ثيودوسيوس في سر الشكر حتى يقدم الإمبراطور الكفارة العلنية من خلال خلع ملابسه الملكية وارتداء المسوح وطلب المغرفة من الرب الإله.

كانت موافقة ثيودوسيوس وخضوعه لأوامر أمبروزيوس بمثابة فصل جديد في تاريخ علاقة الكنيسة مع الدولة. كان ذلك أول حاكم علماني يخضع لسلطان الكنيسة، وذلك بعد أقل من خمسين عام من محاولات الحكام الرومان للقضاء على الكنيسة.

كان ثيودوسيوس قد حاول تغيير ذلك الإرث الروماني من خلال اضطهاده للهراطقة والوثنيّين. كانت إدانة الآريوسيّين والمانويّين قد دفعتهم إلى الإبتعاد عن الأضواء. وأصدر مرسوماً بحظر أي مناقشة علنية لأي سؤال ديني! إلى أن تمَّ إغلاق المعابد الوثنية وحظر تلك العبادات في العام ٣٩١م.

نظر بعض المؤرخين الرومانيين اللاحقين من أمثال زوسيموس إلى انتشار المسيحية على أنَّه السبب الذي يقف وراء سقوط روما، وهي التهمة التي دحضها أوغسطينوس في كتابه مدينة الله.

أنهى ثيودوسيوس حكمه من بهزيمة الأعداء السياسين في الغرب، ولكنه توفي بعد ذلك بفترة قصيرة في العام ٣٩٥م، ليكون آخر الأباطرة الذين حكموا الإمبراطورية الموحدة.

مراجع:

  • F. L. Cross and Elizabeth A. Livingstone, eds., The Oxford Dictionary of the Christian Church (Oxford;  New York: Oxford University Press, 2005), 1613.
  • Mark Galli and Ted Olsen, “Introduction,” 131 Christians Everyone Should Know (Nashville, TN: Broadman & Holman Publishers, 2000), 310–311.
  • Leo the Great, “Letters,” in Leo the Great, Gregory the Great, ed. Philip Schaff and Henry Wace, trans. Charles Lett Feltoe, vol. 12a, A Select Library of the Nicene and Post-Nicene Fathers of the Christian Church, Second Series (New York: Christian Literature Company, 1895), 63–64.