خمس معجزات إلحاديّة

كاتب المقال:
المقال من موقع إرساليات الخلق الدولية:
Cover Image for: 5miracles

غالباً ما يروّج الملحِدون أنفسَهم على أنَّهم أذكياء، منطقيِّون، علميِّون، وعقلانيّون، إلخ؛ حتى أن لديهم اقتراحاً بأخذ لقب "مستنيرون"! ونجد أن "الملحدين الجُدُد" العدائيّين، مثل ريتشارد دوكينز، وَسَام هاريس وشركائهم يُحِبُّون تصوير المؤمنين مِنّا بخالقٍ خارقٍ للطبيعة على أنهم غير عقلانيّين، غير علميّين، جُهلاء، أو حتى "بحاجة للمساعدة" (بحسب وصف دوكينز). كما نجد أنه غالباً ما تقوم صناعات الترفيه [الإعلام] بتعزيز هذه المفاهيم من خلال تصوير الناس المتديّنين (المسيحيّين بخاصّة، والقادة الكنسيّين بأكثر تخصيص) كالمهرّجين أو الهيليبيّين1، فعلى سبيل المثال لم يُصوَّروا، قَطّ، كأساتذة جامعات.

إنَّ الواقع يتعارض مع هذه التصوّرات، فاسحق نيوتن، صاحب أعظم عقل علميّ عبر كلّ العصور، كان مسيحيّاً مؤمناً، كذلك كان آخرون من مؤسسي العلوم الحديثة.

لطالما أظهرت الدراسات الاستقصائية أن الأشخاص الملتزمين بسلطان الكتاب المقَدَّس هم أقل ميلاً للخرافات، على النقيض من المتوسط الفعلي للملحدين2. في الواقع، عبّر أحد الملحدين عن استياءه من أن "البعض من أكثر الأشخاص ذكاءً واطّلاعاً" من بين مَن كان يعرفُهم هُم مسيحيّون3.

يوجد المزيد أيضاً ليُقال، فالملحدون يعتقدون بأن كلَّ شيء قد وُجِدَ من خلال تطورات مادّيّة بحتة، بما في ذلك الكون والحياة والأخلاق. على كل حال، هل يوجد أُسُس عقلانية ومنطقية لهذا الاعتقاد؟

إنَّ المادّيين يؤمنون فعلاً بالمعجزات بدون أي مُسبب منطقي لها، أي إنهم يؤمنون بالسِّحر، أو بحدوث الأشياء بدون مُسَبِّب كافٍ؛ هذا ما ندعوه عادة بالـ "سِحْر" وهو بالحقيقة وهمٌ وخِداع، فعلى سبيل المثال، إن الأرنب لا يظهر من قُــبَّعة فارغة، لا بُدَّ من وجود تفسير مادّي منطقي كمسبب كافٍ. فالخداع البصري بحاجة لساحر، والأشياء لا تحدث من تلقاء نفسها فهي تحتاج لشيء يُسبب حدوثها، فحتى الأطفال يفهمون قانون السببية. إن السحر، حيث أن الأشياء "تحدث فقط"، هو من قصص الخيال ولا يوجد شيء كهذا4.

فيما يلي خمسة أمثلة رئيسةٍ – ويوجد المزيد - عن إيمان المادّيّين بالسِّحْر أو بالأحداث الخارقة من دون أي تفسير كاف لحدوثها.

1. أصل الكون:

في السابق حاول أصحاب المذهب المادّيّ (المُلحِدون) أن يؤمنوا بأن الكون أزليّ، بهدف إبعاد التساؤل عن نشوءه. ومثالاً على ذلك، نجد أن المُلحد البريطاني المشهور بيرتراند راسِل قد سبق واتّخذ هذا الموقف، لكن لم يكن بالإمكان الدفاع عن هذا الموقف. فعلى سبيل المثال، نجد أنَّ تَقدُّمَ المعرفة العلمية المتعلقة بالترموديناميك (الديناميكا الحرارية) ألزمتْ كلَّ شخص تقريباً، على الاعتراف بوجود بداية للكون، سواء من حيث الزمان أو المكان، فنظرية "الانفجار العظيم" تعترف بهذا (فالأفكار المشابهة لفكرة الأكوان المتعددة تجعل البداية أكثر بُعداً، إلّا أنها لا تتخلَّص من المشاكل المزعجة)5.

إن نظرية الانفجار العظيم تحاول تقديم تفسير لبداية الكون، ومع ذلك يبقي السؤال: ما الذي بدأه وما هو مُسَبِّب تلك البداية؟ لأن الكون لا يمكن أن يكون مصدرُه مادة/طاقة مشابهة للأشياء الموجودة في كوننا، لأن تلك المادة/الطاقة يجب أن تكون خاضعة لذات القوانين الفيزيائية، وبالتالي فهي تُفنى، وبالتالي فلا بُدَّ مِن أن يكون لها بداية أيضاً، وهذا فقط رجوع أكثر في الزمن، بالتالي، من أين أتى الكون إلى الوجود؟ من لا شيء! اللاشيء أصبح كلَّ شيئ وبدون أي مُسَبّب! سِحْر!

"إنَّ الكون ظهر إلى الوجود (أصبح شيئاً) من لا شيء بالمطلق، الصِّفر، العَدَم. وأثناء تَعَظُّمِه امتلأَ أكثرَ بأشياء أتت إلى الوجود من اللامكان. كيف يكون ذلك ممكناً؟ يتساءل آلان غوث. فنظريته في التضخّم تُساعد في تفسير كُل شيء"6.

لقد حاول العالِم الفيزيائي لورانس كراوس، أحد أصخب "الملحدين الجُدُد" أن يقدِّم تفسيراً لكيفية ظهور كل شيء من اللاشيء؛ حتَّى أنه ألَّف كتاباً عن ذلك7. إن هذا "اللاشيء" إنما هو "فراغ كمّيّ"، الذي بدوره ليس "لا شيء". في الواقع، إنّ هذا الشيء الكمّيّ، سواءٌ كانَ مادَّة أو طاقة، يواجِهُ ذاتَ المشكلة التي تواجهها فكرة الأكوان الأزلية، فهي لا يمكن أن تستمر منذ الأزل، فكلُّ هذه النظريات لا يمكن أن تُطبَّق قبل وجود (الشيء) الكون8. الأمر الذي يعود بنا إلى نقطة البداية.

لا يمتلك أصحاب النظرية المادّيّة تفسيراً لأصل الكون، سوى القول: "لقد حدث الأمر وها نحن هنا. سِحْر! إنه مشابه لقضية الأرنب الخارج من القبعة، الفارق أنه في هذه القضية الأرنب هو الكون الهائل، هذه الأمور تحدث!"

يوجد جوانب أُخرى لنظرية الانفجار العظيم، فالنموذج "السائد" لأصل الكون، أنَّه مُعجِزيّ، أما "النموذج القياسيّ" فإنه يعتمد على وجود فترة من التوسُّع السريع للغاية تُسمّى "التضخّم" (الأمر الذي اخترعه آلان غوث، المذكور أعلاه). ولا يوجد سبب معروف لبدء هذا التوسّع، أو لتوقفه، وحتى إنّ آليه هذا التوسع السريع مجهولة (العديد من التوسعات ذات السرعة الأكبر من سرعة الضوء). بالتالي، إنّ هذه المعجزات الثلاثة المترافقة يجب أن تكون قد حدثت، وإلّا فإن نظرية الانفجار العظيم لن تعمل بسبب "مشكلة الأفق (التجانس الكوني)". المزيد من المعجزات!

"فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" (تكوين ١: ١).

هذا ليس سِحْراً، فالله السرمديّ والكلّيّ القُدرة، هو السبب المقنع لنشوء الكون. وهو موجودٌ سرمديّاً (إذ ليس له بداية) وكينونته غير مادّية (الله روح، هذا ما يصرّح به الكتاب المقدس في مواضع كثيرة).

2. أصل النجوم:

إن تفسير نشأة النجوم وفقاً لنظرية الانفجار العظيم (اللاعب الوحيد في الساحة حالياً) يتطلب وجود طَوْرَين. الطَور الأول يُعنى بتَشكُّل النجوم من الهيدروجين/الهيليوم (الأمر الذي يعرف بجمهرة النجوم الثالثة9). وهنا المعضلة الأولى: كيف يمكن للغازات، التي تشكلت في الكون البدائي الذي يتّسع بسرعة كبيرة، أن تتحد معاً لتشكل كتلة حرجة ذات جاذبية كافية لجذب المزيد من الغازات لإنتاج نَجْم؟ علماً أن الغازات لا تميل إلى التجمُّع، إنما الى التبعثر، وخاصّة في حال وجود كمّيّة هائلة من الطاقة (الحرارة)10. فانظر العجَب، لقد اخترع علماء الكونيّات (الكوزمولوجي) ما يدعى "المادَّة المظلمة"، وهي "أشياء" غير مرئيّة أو غير قابلة للرصد (مخفية وغير مُدرَكة) ولديها القدرة على توليد كمية كبيرة من قوة الجاذبية وقت الحاجة إليها فقط. مزيد من السِّحْر!11

وعلى أية حال، لدينا عدد لا يُحصى من النجوم، مثل الشمس، والتي لا تحتوي على الهيدروجين والهيليوم فقط، إنما على عناصر كيميائية أثقل. ومن المفترض أن يكون هذا الطَور الثاني. فالانفجارات النجمية الضخمة (السّوبِّرنُوڤَا) من المرحلة الأولى قد أنتجت ضغطاً كافياً لإجبار الهيدروجين والهيليوم معاً على تكوين نجوم جديدة منها نشأَت العناصر الأثقل (المدعوة من الفلكيين "بالمعادن")، مُتَضَمِّنَةً العناصر التي نتكوّن منها نحن أيضاً. تسمى هذه النجوم بالجمهرة الأولى والثانية.

وهنا تتولد مشكلة أُخرى: فكيف للنجوم المتفجّرة، مع العناصر المتطايرة بسرعة هائلة وبكل الاتجاهات، أن تتسبَّب بتشكيل نجوم مصنوعة من كل تلك العناصر الجديدة؟

فالمطلوب هو تجمُّع العناصر معاً، وليس تَبَعثُرَها. فالقِطَع المتطايرة المتضاربة بعضها مع بعض، بالحريِّ أنها سوف ترتدُّ بدلاً مِن أَنْ تندمج. وتتضمّن معظم الفرضيات عدّة انفجارات نجمية ضخمة (سوبّرنوڤا) مِنَ الطَور الأول على مسافة قريبة من بعضها، بحيث تصطدم مواد كافية لتشكيل نجم أوَّلي ذو قوة جاذبية كافية للتغلّب على ميل هذه العناصر إلى التطاير والتبعثر وجذب المزيد من المواد وبالتالي النموّ إلى نجم قياسي.

ولأخذ العِلم، إن الإنفجارات النجمية الضخمة (سوبرنوڤا) ليست بأحداث شائعة، ولا سيما وقوع عدد منها في وقت واحد وعلى مقربة من بعضها البعض. بالتالي، فإن هذا السياق (السيناريو) يتطلب وقوع عدد كبير من الأحداث الاستثنائية ليتسبب بوجود هذا العدد المهول من النجوم الأثقل.

هذا مزيد من السِّحْر؛ معجزات دون صانع للمعجزات.

إنَّ اللهَ قد عَمِلَ الشَّمسَ والنجوم في اليوم الرابع من أيام الخليقة السبعة. ونكرر، بأن هذا ليس بِسِحْرٍ أو خرافات، لأن الله قادر على فعل مثل هذه الأمور.

3. أصل الحياة:

يقول عالِم الأحياء الكونية (أَسْترُولُوجِي) البروفيسور بول ديفيس:

"كيف للذرات الغبية أن تقوم بكتابة برمجتها الخاصّة…؟ لا أحد يعرف… فلا يوجد قانون معروف في الفيزياء قادر على خلق معلومات من لا شيء"12.

ليس المطلوب فقط تقديم تفسير للشيفرة الوراثية في الحمض النووي DNA (أي كيف لنظام معلومات مُخزَّنة أن يُوجَد بدون تصميم ذكي؟)، إنما أيضاً يجب تفسير الآلية المذهلة التي تقوم بقراءة المعلومات وخَلْق مكونات الحياة من تلك المعلومات.

تخلّى الفيلسوف الإنجليزيّ، الصعب المِراس، أنتوني فلو عن الإلحاد والمادّية بسبب الأدلّة المتزايدة على هذا التصميم الإبداعي في الكائنات الحيّة. وقد قال:

"يبدو لي الآن أنّ النتائج التي توصَّلتْ إليها أبحاثُ الحمض النووي عبر أكثر من خمسين عاماً قد وفَّرت المواد اللازمة لجدل جديد وقويّ جداً حول وجود تصميم"13.

هذه الأبحاث "قد أظهرت، ومن خلال التعقيد، الذي لا يُمكن تصديقه، من الترتيبات اللازمة لإنتاج حياة، أنَّه لا بدَّ من تدخُّل كيان ذكيّ"14.

وهذا يعني، أن وجود مُصَمِّم فائق الذكاء وحده يمكن أن يفسِّر النظام المعلوماتي في الكائنات الحيّة.

ويقول الفيلسوف الأميركي الملحد، توماس نِيجِل:

"إن ما ينقص، بحسب علمي، هو وجود حُجَّة معقولة للتطور الكوني تكون ذات احتمالية غير قابلة للنقض عن صِحَّتِها. ويوجد نوعان من الأسئلة المتعلقة بهذا. أولاً: بالنظر إلى ما هو معروف عن الأسس الكيميائية لعِلم الأحياء (بيولوجي) وعلم الجينات الوراثية، ما هو احتمال ظهور أشكال حياة ذاتيّة الاستنساخ بشكل عفوي (تلقائي) على الأرض المبكرة، وذلك من خلال تطبيق قوانين الفيزياء والكيمياء؟"15(انظر لاحقاً لمناقشة سؤاله الثاني).

إنّ المعرفة العلمية عن الحياة تتزايد بشكل يومي، وأثناء ذلك التزايد فإن التفسير الطبيعي (المادّي/الإلحادي) عنها يتراجع أكثر فأكثر. إن أصل الحياة هو معجزة أُخرى16. الأشياء تحدُث مِن ذاتها، إنَّه مزيد من السِّحْر!

إنَّ أَصلَ الحياة يتطلب مُسبِّباً فائق الذكاء، مثل الإله الخالق الذي يقدّمه الكتاب المُقدَّس.

4. أصل تنوّع الحياة (أهو تصميم؟ أيُّ تصميم!):

إن أصل الحياة هو فقط بداية المشكلات التي تواجه أصحاب المذهب المادّيّ. لقد قضى ريتشارد دوكينز حياته – بجانب عدد من علماء الأحياء المُلحِدين – في محاولة إنكار أن الكائنات الحية تعكس تصميماً خارقاً. وفي الكتاب الذي جَعَل منه شخصاً معروفاً، كَتَبَ:

"إنَّ علم الأحياء هو دراسة الأشياء المعقّدة التي تعطي انطباعاً بأنه تم تصميمها لِغَرَضٍ مُعيَّن"17.

يُشكِّلُ تنوُّعُ أشكال الحياة مُعضلةً كبيرة، فكيف للميكروب أن يتغيَّر ذاتياً إلى كل الأشياء الحية على الأرض، ابتداءً بحشرات "أبو مِقصّ" إلى الفِيَلة، ومن العثّ إلى أشجار المانجو؟ لمدّة مئة عام تقريباً، استُخدِمَتْ كلُّ من الطفرات الوراثية، الانتقاء الطبيعي، آليات الداروينيّة الحديثة، والاصطناع التطوري الحديث، لتفسير تنوع أشكال الحياة، إلّا أنَّ المَعارف الحديثة عن الأشياء الحيّة، قد أثبتت عدم جدواها كتفسير.

في شهر تموز (يوليو) من العام ٢٠٠٨، لبّى ستة عشر من أنصار التطوّر البارزين، الدعوةَ إلى مدينة ألتينبرغ في النمسا، وقد حضروا كنتيجة لإدراكهم بأن الطفرات الوراثية والانتقاء الطبيعي لم يكونا قادرين على تفسير تنوع أشكال الحياة، وقد ناقشوا معاً تلك الأزمة المتعلّقة بعلم الأحياء (البيولوجي) التطوّريّ، وكانت النتيجة بإجماعٍ على وجود مشكلة كبيرة، وأزمة18.

يُكمِل توماس نيجِل (نكمل من الاقتباس السابق له):

"السؤال الثاني يتعلّق بأصل التنوّع الذي حدث لأشكال الحياة، وذلك بعد أن ابتدأتْ مسيرة التطّور: قياساً على الزمن الجيولوجي المتاح منذ بدء الحياة على الأرض، وكنتيجة لوقوع أحداث طبيعية، ما هي احتمالية نشوء طفرات وراثية، قابلة للنمو إلى كائنات، وتسمح للانتقاء الطبيعي أن يكون فاعلاً لإنتاج الكائنات الموجودة فعلاً؟"19.

تأمَّلْ في أصل البشر المُفترض من أحد القِرَدة العُليا الشبيه بالسعدان، والذي استغرق ستة ملايين سنة تطوريّة. فحتّى بعد الأخذ بافتراضات غير واقعية ألبتّة لصالح نظرية التطور، إن المقارنة الحديثة للمجموع الوراثي (الجينوم)، تُظهر فوارق ضخمة (قد تصل إلى ٢٠٪) وهذا غيرُ مُجْدٍ20. والواقع يقول إنها لم تكن مجدية حتى عندما تم الإعلان وبشكل خاطئ على أن الفوارق بحدود ١٪21.

لا يمتلك أصحاب المذهب المادي أي تفسير (سبب) لتواجد هذا التنوع في أشكال الحياة. إنها ليست مجرد معجزة واحدة فقط، إنما هنالك وفرة في المعجزات المذهلة هنا. فكل نوع أساسي من أشكال الحياة هو بحدّ ذاته معجزة.

يخبرنا سِفر التكوين في الإصحاح الأوّل أنّ الله الخالق الكلّيّ القدرة والمعرفة، صنع مختلف أنواع الحياة لتتناسل و"تعطي بحسب نوعها". هذا سببٌ كافٍ، فإنَّ ما تشهد به طبيعة الكائنات الحية في توالدها بحسب نوعها قد تم تأكيده من خلال كل عملية تناسل تحصل (مليارات الناس شاهدة على ذلك)، كذلك هو الأمر في سجلّات الأحافير، حيث أن كل الأشكال الانتقالية بين الأنواع مفقودة22 و"الأحافير الحيّة" تشهد أيضاً على أن التكاثر يستمر "بحسب نوعها" وذلك في آلاف الأنواع23.

5. أصل الأفكار والأخلاق:

لمدة طويلة كان ربط أصل الأفكار والأخلاق بالطاقة والذرات معضلة كبيرة لأصحاب المذهب المادّي، ونراها كَسِمة أساسية في كتابٍ للفيلسوف توماس نيغل بعنوان "العقل والكون"، حيث سبق أنْ نَوَّه إليها.

إنّ شجرة التين تنتج التين، وليس التفاح. وهذا الأمر واضح. وبطريقة مماثلة، فإن الأشياء الفيزيائية والكيميائية ستعطي نتائج فيزيائية وكيميائية، إلّا أنّ الأفكار والأخلاق ليست مسألةَ فيزياء وكيمياء. ومن المؤكد أن المخلوقات الفيزيائية والمادّيّة تمتلك فِكْراً وأخلاقاً، لكن كيف لهذه الأشياء غير المادّيّة أن تنشأ من المادة؟ هذه معضلة كبيرة لأصحاب المذهب المادّي، وإنَّ اعترافَ المُلحِد نيجل بهذا صراحةً، يسبب الكثير من الإزعاج لزملائه الملحدين24.

إنّ سي.إس. لويس الشهير، الذي تحوَّلَ من الإلحاد إلى المسيحية وعُرف بموقفه المقاوم، وَصَفَ هذه المعضلة بشكل جيد حين كتب:

"إنْ قُلنا إنَّ النظام الشمسي قد وُجد نتيجة تصادُمٍ عَرَضِيٍّ، وإنَّ ظهورَ الحياة العُضوية على هذا الكوكب مجرد مصادفة، وأيضاً إنَّ تطوُّرَ الإنسان كان كذلك. إنْ كان الأمر هكذا، بالتالي فإن كل أفكارنا الحالية هي مجرّد حوادث عَرَضيَّة أو نتيجة ثانوية للتصادم الناجم عن حركة الذرّات. هذا الأمر ينطبق على أفكار أصحاب المذهب المادّي وعلماء الفَلَك كذلك، وأيضاً على أفكار أي شخص آخر. لكن في حال كانت أفكارهم – الماديين والفلكيين – هي مجرد نتاج لحوادث عرضية ثانوية، فما هو الأساس الذي يَفرِض علينا أن نُسَلِّم بأنها حقيقة؟ أنا لا أَجِد أيَّ مُبرِّر للاعتقاد بأن حادثة واحدة قادرة على تقديم حساب صحيح عن جميع الحوادث الأُخرى. هذا الأمر يشبه توقُّع أن يكون الشكل العَرَضِيّ الذي ينتج عن رذاذ الحليب المتطاير إنْ حَرَّكْنا إبريق الحليب سيقدم لنا تفسيراً عن كيفية صناعة الإبريق أو عن الأمر الذي حرَّكَه"25.

لا يتوفر لدى أصحاب المذهب المادي أي تفسير كافٍ لسبب وجود الأفكار والأخلاق. إنه سِحْر!

لكن لماذا يلجأ الأشخاص الأذكياء إلى الاعتقاد بالسِّحْر (الأحداث غير المألوفة) في العديد من النقاط؟ إنهم، ومن خلال عدم إيمانهم بالله، قد وضعوا أنفسهم في زاوية فلسفية غير عقلانية. ونجد أن الكتاب المُقدَّس في (رسالة رومية ١: ٢١) يقول إنّ الناس عندما ينكرون اللهَ الخالقَ ينتهي بهم المطاف إلى أن "يَحمِقُوا في أفكارهم". وقد ناقشنا الكثير من تلك الأمور في هذا المقال. يعترف ريتشارد ليونتين بأنه (يخرج الله من الصورة)، "نحن نأخذُ جانِبَ العِلم بالرغم من عدم منطقية (سُخف) بعض أساساته… " (نلحظ أنه خلط بين "العِلم" والمادِّية)26.

إلى أين بعد هذا؟

إنَّ اللهَ خَلَقَ الإنسانَ "على صورته"، مخلوقاً ذا فِكْرٍ وأخلاق (تكوين ١: ٢٧). بناء على ذلك، نحن قادرون على التفكير بالله وقادرون على "معرفته". هذا هو السبب الحقيقي لوجودنا. وأشعياء يسجل لنا كلام الله مع شعبه إسرائيل حين ارتدَّ عنه:

"هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَٱلدُّودِيِّ تَصِيرُ كَٱلصُّوفِ" (أشعياء ١: ١٨).

إنَّ محاولة عيش الحياة كما لو أن الله غير موجود، هو التمرُّد المُطلَق (الخطيئة)، والحماقة المطلقة. إن البشارة السّارّة هي أن الله متسامح مع أولئك الذين يعترفون بخطاياهم ويطلبونه:

"اُطْلُبُوا ٱلرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ٱدْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ. لِيَتْرُكِ ٱلشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ ٱلْإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى ٱلرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلَهِنَا لِأَنَّهُ يُكْثِرُ ٱلْغُفْرَانَ" (أشعياء ٥٥: ٦-٧).

إنَّ يسوعَ المسيح قد أتى إلى العالم ليجعل مغفرة خطايانا ممكنة؛ انظر الخبر السّار!


مراجع

  1. أناس سُذَّج من سُكَّان الأرياف.
  2. Batten, D., Superstition vs Christianity, Creation 29(1):6, 2006; creation.com/superstition-vs-christianity.
  3. “I hope there is no God!”, Thomas Nagel quote; creation.com/nagel.
  4. There is ‘black magic’ where Satan is the sufficient cause for the events; for example, the Pharaoh’s magicians in Egypt, where they threw down their staves and they became snakes.
  5. Grossman, L., Death of eternal cosmos: From the cosmic egg to the infinite multiverses every model of the universe has a beginning, New Scientist 213(2847):6–7, January 2012. To say this we assume that the same laws of physics applied at the beginning, and that the Second Law applies to the whole universe (this is consistent with all experimental evidence). This is nothing more than the uniformity of nature in time and space, a foundational principle of science. Paul Davies said, “Yet the laws [of physics] that permit a Universe to create itself are even more impressive than a cosmic magician.” See, The singularity—a ‘Dark’ beginning.
  6. هذا ما أَعلن عنه غلاف مجلة ديسكفري، في نيسان ٢٠٠٢.
  7. Reynolds, D.W., Godless universe untenable: A review of A Universe from Nothing: Why There is Something Rather Than Nothing by Lawrence M. Krauss, J. Creation 27(1):30–35, 2013; creation.com/krauss-review.
  8. See, Hartnett, J., The singularity—a ‘Dark’ beginning, July 2014; creation.com/dark-beginning.
  9. See, Hartnett, J., Have Population III stars finally been discovered?, 2016; creation.com/population-iii-stars.
  10. Bernitt, R., Stellar evolution and the problem of the ‘first’ stars, J. Creation 16(1):12-14, April 2002; creation.com/first-stars.
  11. Hartnett, J.G., Stars just don’t form naturally—‘Dark matter’ the ‘god of the gaps’ is needed, September 2015; creation.com/stars-dont-form-naturally.
  12. Davies, P., Life force, New Scientist 163(2204):27–30, September 1999.
  13. Habermas, G., My pilgrimage from atheism to theism: an exclusive interview with former British atheist Professor Antony Flew, Philosophia Christi, Winter 2005; illustramedia.com.
  14. Famous atheist now believes in God: One of world’s leading atheists now believes in God, more or less, based on scientific evidence, 2004, Associated Press; sciencefindsgod.com.
  15. Nagel, T., Mind and Cosmos: Why the Materialist Neo-Darwinian Conception of Nature Is Almost Certainly False, Oxford University Press, 2012.
  16. Batten, D., Origin of life, November 2013; creation.com/origin-of-life.
  17. Dawkins, R., The Blind Watchmaker, W.W. Norton & Company, New York, p.1, 1986.
  18. See ReMine, W.J., Desperate attempts to discover ‘the elusive process of evolution’, A review of The Altenberg 16: An Exposé of the Evolution Industry by Suzan Mazur, J. Creation 26(1):24–30, 2012; creation.com/review-altenberg-16.
  19. Ref. 13, p. 6.
  20. Batten, D., The myth of 1%, Creation 36(1):35–37, 2014; creation.com/1-percent-myth and Batten, D., Haldane’s dilemma has not been solved, J. Creation 19(1):20–21, 2005; creation.com/haldane.
  21. 1% difference still adds up to 30 million base pairs (chemical ‘letters’) difference, which is a huge problem for an evolutionary scenario of random mutations and natural selection over supposedly six million years.
  22. Bates, G., That quote!—about the missing transitional fossils: Embarrassed evolutionists try to ‘muddy the waters’; creation.com/pattquote.
  23. Batten, D., Living fossils: a powerful argument for creation, Creation 33(2):20–23, 2011; creation.com/werner.
  24. Nunn, W., Thomas Nagel—The atheist who dared to question materialism, March 2014; creation.com/nagel-materialism (and articles referenced therein).
  25. Lewis, C.S., The Business of Heaven, Fount Paperbacks, U.K., p. 97, 1984.
  26. Full quote Amazing admission, creation.com/lewontin.