الإعتراض ١٨٧، ما هو لون رداء يسوع؟

Cover Image for: objection187

إن متى ٢٧: ٢٨ تقول أنَّه كان قرمزي في حين أن مرقس ١٥: ١٧ ويوحنا ١٩: ٢ تقول أنه كان أرجوانيّ.

متى ٢٧: ٢٨ ”فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا،“

مرقس ١٥: ١٧ ”وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوَانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ،“

يوحنا ١٩: ٢ ”وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ،“

سوف نقوم في البداية بإضافة لون جديد إلى هذا الإعتراض ونقرأ لوقا ٢٣: ١١ ”فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ.“ إن الكلمة المستخدمة لوصف اللباس هي الكلمة اليونانية ”λαμπρός وتُقرأ لامبروس“ وتعني لامع أو برّاق أو أبيض. فهل يوجد لدينا ثوبٌ أبيض إضافي لنتعامل معه في هذا الإعتراض؟ أم أنَّ الإنجيليّين كانوا مُصابين بنوعٍ من عمى الألوان؟

قبل القفز إلى أي نوع من الإستنتاجات يجب علينا أن نقوم بفحص دقيق لإجراءات محاكمة يسوع وسنكتشف سبب وجود أكثر من رداء بألوان مختلفة.

بدايةً لا يوجد أي شكّ بأن الكلمتين اليونانيّتين المستخدمتين لوصف اللون في الآيات المقدمة من المعترض هما كلمتين مختلفتين. في متى ٢٧: ٢٨ نجد الكلمة اليونانية ”κόκκινος وتُقرأ كوكينوس“ وهذه الكلمة مشتقة من ”κόκκος كُوكوس“ والتي تعني البذرة أو النواة أو اللٌّب. في تلك الأيام كان يتم جمع بيوض أنثى إحدى الحشرات التي تُعرف باللاتينية باسم ”Kermes كيرميس“ ومن ثمَّ يتم سحقها لانتاج الصباغ القرمزي.

أما في يوحنا ١٩: ٢ فإن الكلمة المستخدمة لوصف اللون الأرجواني هي ”πορφυροῦς بورفوروس“ والمشتقة من الكلمة اليونانية ”πορφύρα بورفيرا“ والتي تشير إلى نوع من أنواع بلح البحر الذي ينتج صباغاً أرجوانياً كان يستخدم في صباغة الملابس. يوجد عدد من التفاسير التي تحاول أن تقدم الحل من خلال الإشارة إلى أن الرداء كان باللون الخمري وهو لون قد يبدو أشد احمرار لأحد الأشخاص في حين أنه يبدو مائلاً إلى الأرجواني بالنسبة لشخص آخر وذلك بالإعتماد على الضوء والبعد عنه. إلا أنَّ هذا يتعارض مع انتقاء الكلمات اليونانية لوصف اللون، إضافةً إلى ذلك فإن الرداء نفسه يوصف باستخدام كلمات مختلفة. متى يستخدم ” χλαμύς  خلاموس“ في حين أن يوحنا يستخدم كلمة ” ἱμάτιον  إيماتِيُّون“.

لكي نستطيع فهم الفارق بين هذين التسجيلين يجب علينا أن نأخذ في الإعتبار تسلسل الأحداث التي رافق المحاكمة والصلب.

بعد أن تمَّ القاء القبض على يسوع في بستان جُثيماني، أُحضر أولاً إلى حَنَّان (يوحنا ١٨: ١٣). ومن ثمَّ تم اقتياده ليلاً إلى السنهدريم حيث تمَّ استجوابه من قِبَل قيافا، وهناك عُصبت عيناه وتمَّ توجيه اللكمات إلى وجهه (متى ٢٦: ٥٧-٦٨). ثم عند الفجر تشاور رؤساء الكهنة لكي يقتلوه (متى ٢٧: ١)، فاقتادوه موثقاً إلى بيلاطس الذي قام بالتحقيق مع يسوع للمرة الأولى، إلا أنَّه حين عرف أنَّه جليليّ قام بإرساله إلى هيرودس (لوقا ٢٣: ٧).  هيرودس الذي كان قد سمع كثيراً عن يسوع كان يريد أن يرى معجزة تحدث في حضوره، إلا أنَّ رفض يسوع أغضب هيرودس فألبسه لباساً لامعاً (ربما للسخرية منه) حيث أنه استهزأ به مع جنوده. وبعد ذلك أرسله من جديد إلى بيلاطس (لوقا ٢٣: ٨-١١).

عند وصول يسوع إلى دار الولاية جرَّده العسكر من ملابسه (لا نعرف ما إذا كان هيرودس قد استعاد الرداء الأبيض الذي ألبسه إياه أم أن العسكر هم من أزالوه مع بقية ملابسه) لكي يتمّ جلده. إلا أنهم قبل أن يباشروا بالجلد وضعوا عليه ” χλαμύς  خلاموس“ رداءً قرمزياً (متى ٢٧: ٢٨). إن الرداء القرمزي ”χλαμύς κόκκινος وتُقرأ خلاموس كوكينوس “ يشير غالباً إلى الوشاح الذي يرتديه الجنرالات والضباط البارزين في الجيش الروماني. يتم تصميم هذا الوشاح لكي توضع على الكتفين وتترك الذراعين حرّتين لحمل الدرع والسيف، والغاية من وضع الرداء كما هو واضح من الآيات للسخرية من ضعف المسيح الجسدي بعد الضرب والإساءات التي تعرض لها.

بعد ذلك قام البعض من الجنود الساديّين بصنع اكليلٍ من شوك. وربما يرجع السبب إلى أن أحد الجنود كان حاضراً عندما سأل بيلاطس يسوع عما إذا كان ملكَ اليهود، حيث أن يسوع أجابه بالإيجاب (متى ٢٧: ١١-١٢).

وبما أن اللون الذي يتم تقديمه للملوك هو اللون الأرجواني، فإنهم قاموا بوضع ثوب أرجوان عليه، وربما يكون الجند قد أزالوا عنه الرداء القرمزي وهو الأمر الذي سيتسبب بفتح الجروح التي ربما تكون قد التحمت به أو أنهم أعادوا وضعه بعد أن ألبسوه الرداء. وتجدر الإشارة إلى أنَّ متى يسجل لنا عملية نزع الرداء إلا أنه لا يعيد التأكيد على أنَّه رداء قرمزيّ.(متى٢٧: ٣١).

إذا قمنا بقراءة آيات الكتاب المقدس المتعلقة بالموضوع وبحسب ترتيبها الزمني فإنه سيكون من السهل أن نرى أنه لا يوجد أي تناقض بين الآيات التي تتعلق باللباس الذي وُضِعَ على يسوع: فهو ارتدى أولاً رداءً من الغالب أنَّه أبيض اللون، ومن ثمَّ وشاحاً قرمزياً ومن ثمَّ ثوباً أرجوانياً. إن الرومان كانوا قد أتقنوا فنون التعذيب الجسدي والنفسي على حدٍّ سواء، وكانوا يستمتعون بتعذيب وإساءة معاملة أي شخص تتم ادانته وخاصةً إن كان قد اعتبر مجرماً أو متمرداً. فلننظر إلى ترتيب الأحداث زمنياً:

فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. (لوقا ٢٣: ١١)

حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا، (متى ٢٧: ٢٦-٢٨).

بعد أن سخر العسكر منه لفترة من الزمن قاموا بنزع الرداء القرمزي ووضعوا عليه رداءً أرجوانياً ومن الممكن أن يكونوا قد وضعوا عليه رداءً أرجوانياً فوق القرمزي.

وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ، (يوحنا ١٩: ٢).

إن اللون القرمزي المائل إلى الأحمر هو لون الجند في حين أن اللون الأرجواني هو لون الملوك أو الأباطرة. وهنا يبدو أن الجند انتقلوا من السخرية من ضعف يسوع الجسدي وابتدأوا بالسخرية من ادعاءه بأنه ملك أمام بيلاطس (متى ٢٧: ١١-١٢ ويوحنا ١٨: ٣٧).

وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ:«السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. (متى ٢٧: ٢٩-٣٠).

فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا خَارِجًا وَقَالَ لَهُمْ:«هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً». فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجًا وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:«هُوَذَا الإِنْسَانُ!». فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا قَائِلِينَ:«اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!». … قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ:«لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!». فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ. (يوحنا ١٩: ٤-١٦)

وَبَعْدَ مَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ. (متى ٢٧: ٣١).

إن هذه الأحداث لم تكن أحداثاً عرضية في التاريخ، بل هي ما قد سبق وأنبأ عنه الوحي المقدس في اشعياء ٥٣: ٣-٥

”مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.“


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

القراءة غير الدقيقة للنصوص هو خطأ شائع يحدث حين يقوم الناقد بقراءة النصوص بطريقة سطحية ودون بذل أي مجهود لمحاولة فهم النصوص ضمن سياقها النصّي والتاريخي والأدبي. وهي فشل في قراءة النصّ بطريقة تتوافق مع الأسلوب الأدبي الذي كُتب به. فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أساليب مختلفة في الكتابة مثل: التاريخ (التكوين، الخروج، الملوك)، الشعر (المزامير، نشيد الأنشاد، الأمثال)، النبوءات (حزقيال، رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الأمثال (أمثال المسيح في الأناجيل). ولا يمكن أن يتم تفسيرها جميعاً بأسلوب واحد. فالشعر بالعادة يحتوي على الصور الأدبية والتعبيرات المجازية، في حين أن السرد التأريخي يقرأ بطريقة حرفية. ومن عدم الأمانة للنص أن يتم تفسير النص المكتوب بطريقة شعرية على أنه سرد تأريخي أو تفسير السرد التأريخي على أنه شِعر. فعلى سبيل المثال، حين يتسائل كاتب المزمور عن سبب عم إجابة الله للصلاة؟ لماذا ينام الرّب؟، لا يجب أن يتم أخذ معنى ”النوم“ في هذه الحالة على أنّه نوم حرفي وإلا يعتبر هذا تفسيراً غير واعياً للنص ويفتقر للأمانة. ولكننا نجد البعض من الناقدين يستعملون هذا النوع من الأخطاء كما في #٤٠٠. سوف نجد العديد من الأخطاء التي تُرتَكَب من قِبَل الناقدين والتي يمكن وصفها بكل بساطة على أنَّها ”فشل في قراءة النص بتأنٍّ وانتباه.“ حيث أنَّه وعلى ما يبدو أن الناقد قد قرأ النص بشكل معزول وخارج سياقه، الأمر الذي قاده إلى الخروج بتفسير لا يمكن للقارئ الحذر أن يخرج به. فإنه سيكون من السُّخف القول بأنَّ ”الكتاب المُقدَّس يقول بأنَّه ليس إله من المزمور ١٤: ١“ ذلك أنَّ سياق الآية يقول بأنَّ ” قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ».“ بالرغم من وضوح الأمر إلا أننا نجد عدداً من النُّقاد يسقطون في أخطا. إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الناقدين لا يمكن أن يتمّ وصفها إلا بأنَّها ”خداع.“، وهي تلك الحالات التي لا يوجد أي نوع من التناقض الظاهري بين الآيات. وإنَّ أي شخص عقلاني سيلاحظ ذلك حتى من القراءة الأولى للنص، بالرغم من ذلك نجد أنّ هذا النوع من التناقضات المفترضة مُدرَج على لوائح تناقضات الكتاب المُقدَّس، التي يمكننا أن نقول عنها بأنها لوائح مُخادعة قام بوضعها النقّاد آملين في أنَّها سُتبهر من يطَّلع عليها فلا يقوم بمراجعتها. وللأسف هذا ما يحدث في كثير من الحالات.