الإعتراض ١٩٨، من الذي ألبس يسوع الرداء؟

Cover Image for: objection198

لوقا ٢٣: ١١ تقول بأنَّ هيرودس وعسكره هم من فعلوا ذلك، لكن متى ٢٧: ٢٧-٢٨ تقول أن عسكر الوالي هم من قاموا بذلك، في حين أن كل من مرقس ١٥: ١٥-١٧ ويوحنا ١٩: ١-٢ تقول بأن الجُند هم من فعلوا ذلك.

لوقا ٢٣: ١١ ”فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ.“

متى ٢٧: ٢٧-٢٨ ”فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا،“

مرقس ١٥: ١٥-١٧ ”فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ. فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الْوِلاَيَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ. وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوَانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ،“

يوحنا ١٩: ١-٢ ”فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ،“.

إن هذا الإعتراض مبني على الفشل في القراءة الأمينة للنص، إضافة إلى عدم الرجوع إلى اللغات الأصلية التي تُظهر أحداث الصلب بشكل أوضح. لقد سبق وتعاملنا مع أساس هذا الإعتراض في الإعتراض #١٨٧ حين أجبنا عن لون الرداء. فقد تبين (حتى من خلال القراءة الدقيقة للنصوص باللغة العربية) أنَّه يوجد أكثر من رداء تم وضعه على يسوع للإستهزاء به في أوقات مختلفة. وذلك لأن عملية الصلب لم تكن حدثاً وقتياً وقع خلال فترة زمنية قصيرة بل تم نقل يسوع من مكانٍ لأخر حيث وُجد جندٌ مختلفين استهزأوا به بأشكال مختلفة. لذلك بإمكانكم العودة إلى الإعتراض المذكور لاستيضاح التوافق الكامل في السرد المقدم لأحداث الصلب:

بعد أن تمَّ القاء القبض على يسوع في بستان جُثيماني، أُحضر أولاً إلى حَنَّان (يوحنا ١٨: ١٣). ومن ثمَّ تم اقتياده ليلاً إلى السنهدريم حيث تمَّ استجوابه من قِبَل قيافا، وهناك عُصبت عيناه وتمَّ توجيه اللكمات إلى وجهه (متى ٢٦: ٥٧-٦٨). ثم عند الفجر تشاور رؤساء الكهنة لكي يقتلوه (متى ٢٧: ١)، فاقتادوه موثقاً إلى بيلاطس الذي قام بالتحقيق مع يسوع للمرة الأولى، إلا أنَّه حين عرف أنَّه جليليّ قام بإرساله إلى هيرودس (لوقا ٢٣: ٧).  هيرودس الذي كان قد سمع كثيراً عن يسوع كان يريد أن يرى معجزة تحدث في حضوره، إلا أنَّ رفض يسوع أغضب هيرودس فألبسه لباساً لامعاً (ربما للسخرية منه) حيث أنه استهزأ به مع جنوده. وبعد ذلك أرسله من جديد إلى بيلاطس (لوقا ٢٣: ٨-١١).

عند وصول يسوع إلى دار الولاية جرَّده العسكر من ملابسه (لا نعرف ما إذا كان هيرودس قد استعاد الرداء الأبيض الذي ألبسه إياه أم أن العسكر هم من أزالوه مع بقية ملابسه) لكي يتمّ جلده. إلا أنهم قبل أن يباشروا بالجلد وضعوا عليه رداءً قرمزياً (متى ٢٧: ٢٨). إن الرداء القرمزي ”χλαμύς κόκκινος وتُقرأ خلاموس كوكينوس “ يشير غالباً إلى الوشاح الذي يرتديه الجنرالات والضباط البارزين في الجيش الروماني. يتم تصميم هذا الوشاح لكي يوضع على الكتفين وتترك الذراعين حرّتين لحمل الدرع والسيف، والغاية من وضع الرداء كما هو واضح من الآيات للسخرية من ضعف المسيح الجسدي بعد الضرب والإساءات التي تعرض لها.

بعد ذلك قام البعض من الجنود الساديّين بصنع اكليلٍ من شوك. وربما يرجع السبب إلى أن أحد الجنود كان حاضراً عندما سأل بيلاطس يسوع عما إذا كان ملكَ اليهود، حيث أن يسوع أجابه بالإيجاب (متى ٢٧: ١١-١٢).

وبما أن اللون الذي يتم تقديمه للملوك هو اللون الأرجواني، فإنهم قاموا بوضع ثوب أرجوان عليه، وربما يكون الجند قد أزالوا عنه الرداء القرمزي وهو الأمر الذي سيتسبب بفتح الجروح التي ربما تكون قد التحمت به أو أنهم أعادوا وضعه بعد أن ألبسوه الرداء. وتجدر الإشارة إلى أنَّ متى يسجل لنا عملية نزع الرداء إلا أنه لا يعيد التأكيد على أنَّه رداء قرمزيّ.(متى٢٧: ٣١).

إذا قمنا بقراءة آيات الكتاب المقدس المتعلقة بالموضوع وبحسب ترتيبها الزمني فإنه سيكون من السهل أن نرى أنه لا يوجد أي تناقض بين الآيات التي تتعلق باللباس الذي وُضِعَ على يسوع أو بمن قام بوضعه على يسوع وذلك لأن ارتداء يسوع للباس ملّون لم يكن حدثاً منفرداً بل وُجد عدد من الأحداث التي رافقت الصلب، حيث قام الجند المختلفون بوضع أردية مختلفة الألوان عليه قبل اقتياده إلى الصليب. إن توافق هذه الآيات يعتمد بشكل كامل على قراءتها ضمن سياقها النصي وإطارها التاريخيّ.


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

القراءة غير الدقيقة للنصوص هو خطأ شائع يحدث حين يقوم الناقد بقراءة النصوص بطريقة سطحية ودون بذل أي مجهود لمحاولة فهم النصوص ضمن سياقها النصّي والتاريخي والأدبي. وهي فشل في قراءة النصّ بطريقة تتوافق مع الأسلوب الأدبي الذي كُتب به. فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أساليب مختلفة في الكتابة مثل: التاريخ (التكوين، الخروج، الملوك)، الشعر (المزامير، نشيد الأنشاد، الأمثال)، النبوءات (حزقيال، رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الأمثال (أمثال المسيح في الأناجيل). ولا يمكن أن يتم تفسيرها جميعاً بأسلوب واحد. فالشعر بالعادة يحتوي على الصور الأدبية والتعبيرات المجازية، في حين أن السرد التأريخي يقرأ بطريقة حرفية. ومن عدم الأمانة للنص أن يتم تفسير النص المكتوب بطريقة شعرية على أنه سرد تأريخي أو تفسير السرد التأريخي على أنه شِعر. فعلى سبيل المثال، حين يتسائل كاتب المزمور عن سبب عم إجابة الله للصلاة؟ لماذا ينام الرّب؟، لا يجب أن يتم أخذ معنى ”النوم“ في هذه الحالة على أنّه نوم حرفي وإلا يعتبر هذا تفسيراً غير واعياً للنص ويفتقر للأمانة. ولكننا نجد البعض من الناقدين يستعملون هذا النوع من الأخطاء كما في #٤٠٠. سوف نجد العديد من الأخطاء التي تُرتَكَب من قِبَل الناقدين والتي يمكن وصفها بكل بساطة على أنَّها ”فشل في قراءة النص بتأنٍّ وانتباه.“ حيث أنَّه وعلى ما يبدو أن الناقد قد قرأ النص بشكل معزول وخارج سياقه، الأمر الذي قاده إلى الخروج بتفسير لا يمكن للقارئ الحذر أن يخرج به. فإنه سيكون من السُّخف القول بأنَّ ”الكتاب المُقدَّس يقول بأنَّه ليس إله من المزمور ١٤: ١“ ذلك أنَّ سياق الآية يقول بأنَّ ” قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ».“ بالرغم من وضوح الأمر إلا أننا نجد عدداً من النُّقاد يسقطون في أخطا. إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الناقدين لا يمكن أن يتمّ وصفها إلا بأنَّها ”خداع.“، وهي تلك الحالات التي لا يوجد أي نوع من التناقض الظاهري بين الآيات. وإنَّ أي شخص عقلاني سيلاحظ ذلك حتى من القراءة الأولى للنص، بالرغم من ذلك نجد أنّ هذا النوع من التناقضات المفترضة مُدرَج على لوائح تناقضات الكتاب المُقدَّس، التي يمكننا أن نقول عنها بأنها لوائح مُخادعة قام بوضعها النقّاد آملين في أنَّها سُتبهر من يطَّلع عليها فلا يقوم بمراجعتها. وللأسف هذا ما يحدث في كثير من الحالات.