الإعتراض ٢٦٤، هل الغِنى والثراء دلالة على الصلاح والبِرّ أم أنَّه دلالة على الإثم؟

Cover Image for: objection264

يعتقد الناقد بوجود تناقض بين كل من المزمور ٣٧: ٢٥، ١١٢: ١-٣؛ والأمثال ١٥: ٦ التي تقول بأنَّ الغنى هو دلالة على البر، وبين الآيات الواردة في متى ١٩: ٢٣-٢٤؛ لوقا ٦: ٢٤؛ ورسالة يعقوب الجامعة ٥: ١ التي تقول بأنَّ الغِنى دلالة على الإثم.

كُنْتُ صَبِيًّا، وَأَنَا الآنَ شَيْخٌ، وَمَا رَأَيْتُ صِدِّيقاً مَتْرُوكاً، وَلَا ذُرِّيَّةً لَهُ تَسْتَجْدِي خُبْزاً.  المزمور ٣٧: ٢٥

هَلِّلُويَا! طُوبَى لِمَنْ يَخْشَى الرَّبَّ وَيَبْتَهِجُ جِدّاً بِوَصَايَاهُ. ذُرِّيَّتُهُ تَكُونُ قَوِيَّةً فِي الأَرْضِ، جِيلُ الْمُسْتَقِيمِينَ يَكُونُ مُبَارَكاً. يَمْتَلِئُ بَيْتُهُ مَالاً وَغِنىً، وَبِرُّهُ يَدُومُ إِلَى الأَبَدِ. المزمور ١١٢: ١-٣

فِي بَيْتِ الصِّدِّيقِ كَنْزٌ نَفِيسٌ، وَفِي دَخْلِ الأَشْرَارِ بَلِيَّةٌ. الأمثال ١٥: ٦

23فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ مِنَ الصَّعْبِ عَلَى الْغَنِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.  24وَأَيْضاً أَقُولُ: إِنَّهُ لأَسْهَلُ أَنْ يَدْخُلَ الْجَمَلُ فِي ثَقْبِ إِبْرَةٍ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ الْغَنِيُّ مَلَكُوتَ اللهِ». متى ١٩: ٢٣-٢٤

24وَلكِنِ الْوَيْلُ لَكُمْ أَنْتُمُ الأَغْنِيَاءُ، فَإِنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمْ عَزَاءَكُمْ! لوقا ٦: ٢٤

1أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، هَيَّا الآنَ ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ بِسَبَبِ مَا يَنْتَظِرُكُمْ مِنْ أَهْوَالٍ وَشَقَاءٍ. رسالة يعقوب الجامعة ٥: ١

لقد وقع الناقد في مغالطة التشعب (التقليص الخاطئ) حيث أنَّه اصطنع مُعضلة من خلال الإشارة إلى وجوب الإختيار بين بديلين لا ثالث لهما، إلا أنَّه يوجد بديل ثالث لم يقم الناقد بتقديمه كواحد من الإجابات المُفترضة.

إن الغنى والثراء لا يُقدِّم دلالة مماثلة لما يريده الناقد، فهو ليس دلالة على الصلاح والبرّ، وكذلك ليس دلالة على الإثم أوالفساد. فالإنسان الصالح والبّار قد يمتلك ثروة وغِنى  كما هو وارد في كلّ من سفر أخبار الأيام الثاني ١: ١١-١٢؛ أو قد يكون فقيراً كما يرد في كل من متى ٣: ٤، ١١: ١١؛ لوقا ١٦: ٢٠-٢٢.

11فَقَالَ اللهُ لِسُلَيْمَانَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ عَزَمْتَ فِي قَلْبِكَ عَلَى طَلَبِ هَذَا الأَمْرِ، وَلَمْ تَنْشُدْ غِنىً، وَلا أَمْوَالاً، وَلا عَظَمَةً، وَلا الانْتِقَامَ مِنْ أَعْدَائِكَ، وَلَمْ تَطْلُبْ حَيَاةً طَوِيلَةً، بَلْ سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً لِتَحْكُمَ بِهِمَا شَعْبِي الَّذِي مَلَّكْتُكَ عَلَيْهِ،  12فَإِنَّنِي أَهَبُكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً، وَأُنْعِمُ عَلَيْكَ بِالْغِنَى وَالْمَالِ وَالْعَظَمَةِ، بِحَيْثُ لَا يُضَاهِيكَ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُلُوكِ السَّابِقِينَ وَلا اللَّاحِقِينَ». أخبار الأيام الثاني ١: ١١-١٢

4وَكَانَ يُوحَنَّا يَلْبَسُ ثَوْباً مِنْ وَبَرِ الْجِمَالِ، وَيَشُدُّ وَسَطَهُ بِحِزَامٍ مِنْ جِلْدٍ، وَيَأْكُلُ الْجَرَادَ وَالْعَسَلَ الْبَرِّيَّ. متى ٣: ٤

11الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَ مَنْ وَلَدَتْهُمْ النِّسَاءُ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ. وَلَكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ! متى ١١: ١١

20وَكَانَ إِنْسَانٌ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، مَطْرُوحاً عِنْدَ بَابِهِ وَهُوَ مُصَابٌ بِالْقُرُوحِ،  21يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ الْمُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ. حَتَّى الْكِلابُ كَانَتْ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. 22وَمَاتَ الْمِسْكِينُ، وَحَمَلَتْهُ الْمَلائِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. ثُمَّ مَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضاً وَدُفِنَ. لوقا ١٦: ٢٠-٢٢

إن القاعدة العامة تقول بأنَّ الله يقدم الرعاية لشعبه، بحيث أنهم لن يكونوا في حاجة لأساسيات البقاء على قيد الحياة خلال أوقات معينة، وهو الأمر الذي تتم الإشارة إليه في المزمور ٣٧: ٢٥. إلا أنَّ الله لم يَعِد بأن جميع أولئك الذين يطيعون وصاياه سيتحصلون على ثروات وغِنى في هذا العالم.

على ما يبدو أن الناقد يمتلك فهماً خاطئاً لاستخدام الغِنى والثراء ضمن السياق النصّي الشِّعري (مثل سياق المزمور ١١٢: ١-٣، وسفر الأمثال ١٥: ٦) حيث أنَّ الغِنى والثراء ضمن هذه السياقات يشير عادةً إلى البركات الروحية التي يُغدقها الرب الإله على أولئك الذي يضعون ثقتهم به ورجاءهم عليه.

أما فيما يختص بالآيات التأنيبية والتحذيرية من الغِنى، مثل متى ١٩: ٢٣-٢٤، فإن القراءة الأمينة للنصوص سوف تشير إلى أنَّ الرب يسوع المسيح لم يكن يُعلِّم بأنَّه من غير المُمكن للأثرياء أن يدخلوا إلى ملكوت السموات، بل إنَّه من الصعب أن يحدث ذلك - وإن نظرنا إلى السرد الذي يرد في مرقس ١٠: ٢٣-٢٤ فإننا نُدِرك أن الخطر يكمن في الإتكال على المال عوضاً عن الإتكال على الله.

23فَتَطَلَّعَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلامِيذِهِ: «مَا أَصْعَبَ دُخُولَ الأَغْنِيَاءِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!»  24فَدُهِشَ التَّلامِيذُ لِهذَا الْكَلامِ. فَعَادَ يَسُوعُ يَقُولُ لَهُمْ: «يَا بَنِيَّ، مَا أَصْعَبَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الْمَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! مرقس ١٠: ٢٣-٢٤

إن كان الثراء أم العَوَز، الغِنى أم الفقر، الصِّحة أم المرض، الحياة أم الموت، جميع هذه هي عطايا من الله وجميعها تعمل معاً لخير المُختارين بحسب مشيئته الصالحة، لكي يتمجد اسمه بين الأمم.


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

وتعرف باسم مغالطة التقليص الخاطئ أو مغالطة إمّا أو. وتحدث هذه المغالطة حين يطالب الشخص بأن تكون الإجابة هي واحدة من بين إجابتين أو أكثر كان قد أعدها بشكل مسبق في حين أنَّ الحقيقة تكون في إجابة ثالثة لم يقم بتقديمها. كما في حالة ”إنَّ الإشارة الضوئية للمرور إما أن تكون حمراء أو خضراء“ فهي مغالطة تشعّب حيث أنّ الإشارة الضوئية قد تكون صفراء. ”إما أن يتبرر الإنسان بالأعمال أو بالإيمان“ وهذه مغالطة تشعّب أيضاً فالإنسان قد يتبرر بالإيمان أمام الله في حين أنَّه يتبرر بالأعمال أمام الناس.اقرأ المزيد عن مغالطة التشعّب