الفكر الجديد (New Thought)

كاتب المقال:
Cover Image for: new-thought
يُمكنكم الحصول على هذا الكتاب من خلال إحدى المنصات التالية:

مقدمة

تتم الإشارة إلى الفكر الجديد في بعض الأحيان باستخدام مصطلح ”الفلسفة التقدميّة“ حيث يُقال عنه بأنَّه ”أحدث نتاج للعقل المتقدم“ وكذلك بأنَّه ”موقف ذهنيّ وليس فرقةً دينية“.

كان فينياس باركوس كويمبي (Phineas Parkhurst Quimby) المولود في مدينة لبنان من ولاية نيوهامبشير (١٨٠٢-١٨٦٦)، قد تبوّأ مكانَته الرفيعة بوصفه مُعلّماً مُتخصّصاً في العلوم الذهنية. كان له تأثير كبير على كل من ماري بيكر إيدي والعلم المسيحي (Christian Science)، وسيتم التعامل مع هذا التأثير في الدراسة المختصة بالعلم المسيحي. كان كويمبي قد عُرِفَ بممارسته للمِيسْمَريَّة (mesmerism) حيث كان قد قام بتطوير فكرة مفادها أن كل من الخطيئة والمرض والمعاناة هي موجودة فقط في الذهن.

التاريخ

كان كويمبي قد مارس التسلط العقائدي في قيادته لحركته الدينية، مما أفضى إلى انشقاق عدد كبير من أتباعه وتوجههم إلى أحضان ماري بيكر إيدي التي قادت حركة العلم المسيحي بطريقة عملانية جذّابة لأتباعها. وُلِدَت من رحِم هذه الحركة عدد من الحركات والمدارس الدينية مثل ”المدرسة المسيحية المُتحدة“، ”العلم الإلهي“ و”العلم الديني“ و”الفكر الجديد“. كانت المجموعة الأخيرة من هذه القائمة - أي الفكر الجديد - قد نالت زخماً وحماسةً كبيرين نتيجةً لقيادة وكتابات وارين فليت إيڤانز (١٨١٧-١٨٨٩)، و يوليوس دريسر (١٨٣٨-١٨٩٣) و ابن الأخير المدعوّ هوراشيو دريسر (١٨٦٦-١٩٥٤).

وارين إيڤانز القسيس الميثودي، كان قد اختبر الشفاء على يد كويمبي في العام ١٨٦٣. ومن ثمَّ فإنَّه قد ابتدأ في تبني أفكار سويدنبورغ وكنيسة أورشليم الجديدة في كتاب بعنوان ”العصر الجديد ورسوله“ (١٨٦٣). تَبِعَ ذلك كُتب أُخرى مثل ”الشفاء العقلي“ (١٨٦٩)، ”الدواء الذهني“ (١٨٧٢)، و”روحٌ وجسد“ (١٨٧٦) حيث كانت هذه العناوين قد قامت بإظهار الأفكار المُتبنَّاة من سويدنبورغ وكويمبي. أظهر إيڤانز اهتماماً واسعاً بالسحر والتنجيم (Occult) واستخداماته في الشفاء. إلا أن مساهمته الكُبرى في مجال الفكر الجديد كانت من خلال الإيضاحات التي قدّمها لمثل هذه الأفكار من خلال المقالات والدراسات التي نشرها.

إن الترويج للحركات الناشئة لا يتم عادةً من خلال الكُتَّاب أو المُفكّرين بقدر ما يتم من خلال أشخاص متخصصين بعلوم الخطابة والتواصل؛ وهو الحال مع حركة الفكر الجديد التي كان المُتحدِّث البارز لها هو يوليوس دريسر. بوصفه تلميذ لكويمبي قام مع زوجته آنيتا وابنه هوراشيو بالترويج لأفكار كويمبي، وقد قام بتحدي سلطان ماري بيكر إيدي واحتكارها لأفكار كويمبي في بوسطن وذلك عندما قام بالتعاون مع أتباعه بتأسيس ”كنيسة الحياة الأعلى“. ابتدأ مصطلح ”الفكر الجديد“ بالظهور إلى العلن ابتداءاً من العام ١٩٨٠ وذلك بالتزامن مع صدور مجلة تحمل ذات الإسم. بعد ذلك انطلقت عدة حركات تحت مظلة الفكر الجديد في الأعوام ١٨٩٥، ١٨٩٩ و ١٩١٤.

المنظمة

تتواجد مراكز لحركة الفكر الجديد في خمس عشرة ولاية بالإضافة إلى مراكز في أنحاء مختلفة من العالم. على الرغم من استقلالية كل مركز من هذه المراكز، فإنَّه يوجد شبكة مُدمجة للفكر الجديد لديها مجلس إدراة يتألف من رئيس ونائب رئيس وأمين صندوق ومنسق تعليمي وعضو واحد. يُمنح الأشخاص المُنضمّون إلى حركة الفكر الجديد أحقية التصويت ويُطلب منهم التمسك بتعاليم الفكر الجديد والمشاركة في الأنشطة المختلفة، بالإضافة إلى تبادل الأفكار والتعاون مع مختلف اللجان.

التعاليم

تم في العام ١٩١٥ تأسيس الإتحاد العالمي للفكر الجديد. يُلخِّص دستور هذا الإتحاد الأفكار الأساسية المتجذّرة في الحركة النامية وهي:

أن يتم التعليم عن اللامتناهي عن الأسمى، عن ألوهة الإنسان والإمكانيات غير المحدودة الناجمة عن القوة الإبداعية للتفكير البنَّاء والإستجابة لصوت الحضور الساكن فينا، الذي هو مصدر كل إلهامنا وقوّتنا وصحّتنا ورخائنا.

إن حركة الفكر الجديد تتشابه مع الحالة العامة للعلوم الذهنية، حيث تتخذ من الثنائية الأفلاطونية أساساً لأفكارها. من خلال الإعتقاد بتفوق العالم الروحي على العالم المادي، قدّم أفلاطون مفهوما عن الواقع كان قد سيطر على العالم الغربي طوال قرون. تمَّ إعادة إنعاش الثنائية الأفلاطونية في القرن التاسع عشر، وكانت النتيجة أن العصر ذو الفكر الرومانسي كان قد قدَّم الخلفية التي احتاجتها علوم الذهن لتزدهر. لم يكن من الممكن أن يتم قبول قناعات كويمبي القائلة بأنَّ الأمراض والمعاناة موجودة فقط في الذهن إلا خلال عصر تسود فيه فكرة التشعب بين المادة والروح، وهو الوضع الذي لا يزال سائداً حتى اليوم. لقد أصبح الفكر الذي أسس له سويدنبورغ (السويدنبورغيّة) بالإضافة إلى الفكر المثالي الألماني، والفلسفة المتسامية الأمريكية عبارة عن شهادات واضحة على حقيقة أن العلامة السائدة في ذلك العصر هي أنَّه عصر الرّوح. اعتقد أتباع كويمبي بأنَّ دور العالم الماديّ كان محدوداً. وقد كان أنصار حركة الفكر الجديد يتبنّون معتقدات متباينة إلى درجة كبيرة مما زاد صعوبة وضع تقييمات دقيقة أو منهجية لها.

الحقيقة

أحد المعتقدات التي يتوافق على صحتها دُعاة الفكر الجديد هو أن البحث عن الحقيقة هو عملية مُستمرّة. في هذا الخصوص، نجد أن حركة الفكر الجديد تتوافق فكرياً إلى درجة كبيرة مع فكر الجمعية الشمولية (الكونية) المُوَحِّدة (Unitarian-Universalist Association) أكثر من توافقها مع العلم المسيحي (Christian Science)، إذ يعتقد العديد من أتباع ماري بيكر إيدي بأن الإعلانات كانت حقائق مطلقة وغير قابلة للتغيير.

يتفق المسيحيون التقليديون مع جميع المجموعات السابقة من ناحية كون الفرضية الاساسية للحقيقة هي أنَّ الله هو مصدر كلّ الحقيقة. إن الحقيقة التي أُعلِنَ عنها قد نُقِلَت من خلال التصريحات البيانيّة في الكتاب المقدس الذي يجسد تاريخ إسرائيل وإعلان إنجيل يسوع المسيح، وهو الذي ادَّعى بأنَّه هو جوهَر الحق المتجسد بكليّته: ”أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي“ (يوحنا ١٤: ٦). لقد تمَّ الكشف عن جميع الحقائق اللاهوتية بشكل كامل ونهائي في الأسفار المقدسة.

الله

إن الله بحسب معتقد الفكر الجديد هو كُليّ الوجود - إنَّه إله حاضر في الطبيعة وفي الحياة الكونية، وفي الذكاء، والطاقة، هو يعمّ الكون ويتغلغل فيه، ويوجد له دلالة أو ظهور في كلّ كيان مخلوق، قد يلاحظ المرء جوانب من الأُلوهة في جميع الأشياء. على نقيض من المسيحية التقليدية التي تحافظ على التوازن بين الحُضور الكُلّي لله وبين سُمُوِّه وتمايزه عن الخليقة، فإن هذا التمايز يغيب عن مُعتقد الفكر الجديد.

البشرية

كما هو مُتوَقَّع، فإنَّ نتيجة تبني التعليم السابق ستظهر من خلال الإعتقاد بأنَّ البشريّة تمتلك طبيعة إلهيّة. فالسعي وراء الله هو النظر إلى الذات الداخلية للإنسان.

يظهر الإختلاف مرةً جديدة، إذ أن التعليم المسيحي التقليدي هو أنَّ مكان وجود الألوهة (الطبيعة الإلهية) هو الله. كما ويوجد تمايز وانفصال بين الله والبشرية بعضهما عن بعض، ويرجع ذلك إلى التمرّد والخطيئة. ليس أنَّ البشر يختلفون عن الله من الناحية الوجودية (أنطولوجيّاً) فحسب، بل يتعدى الأمر ذلك إلى التمايز الروحي. يُلاحَظ أن الميول الحداثية في اللاهوت المسيحي المُعاصر قد وجدت لنفسها قواسم مُشتركة مع بعض منطلقات وأساسيات علوم الذهن أكثر منها مع المسيحية التقليدية المستقيمة الإيمان. كانت أفكار كويمبي موازية لأفكار فريدريك شلايرماخر (١٧٦٨-١٨٣٤)، الذي وضع أساسات علم الإنسان (أنثروبولجي) البروتستانتي الليبرالي الذي لايزال مهيمناً على الخط المسيحي العام. لقد أظهر مُهندس الفكر الرومانسي المسيحي، شلايرماخر، هذا الأمر من خلال كلماته المشهورة التالية:

إن الشعور المباشر للتبعية المُطلقة هو مُفترض بشكل مسبق ومضمون بالفعل في كلّ وعي ذاتي ديني ومسيحي على اعتبار أنَّه الطريقة الوحيدة -عموماً- التي يُمكن من خلالها أن يكون كياننا والكيان اللامتناهي لله متحدين في وعي (أو إدراك) ذاتي.

يعتقد أنصار الفكر الجديد أنَّ الذهن هو القوة المهيمنة في الإنسان وأنَّ كل من حياته وشخصيته هما مجموع وخلاصة أفكاره. ويتم توظيف قوانين علم النفس الحديث على التطور الذهني للإنسان لخلق حالة ذهنية مناسبة تساعد وتدعم الصحة الجسدية والحالة الأخلاقية والنفسية. كما يتم التركيز على قيمة التفكير الإيجابي البنَّاء، حيث يُعتبر الفكر كما لو أنَّه قائد الدفة الذي يتبعه كل إنسان. الفكر يقوم بتحديد الشخصية ويوفّر المُثل والأخلاق؛ ومن ثمَّ فإن العقل الباطن يقوم بإظهارها. إن كلَّ فكرة تصدر عن الذهن تتسبب باجتذاب أفكار مشابهة لها، سواء كانت إيجابية أو سلبية؛ إن هذا القانون يُعتبر يقينيّاً كما هو حال قانون الجاذبية.

الإعتقاد السائد هو أنَّ التطور كان الوسيلة التي خلق الله من خلالها، أي أنَّ الإنسان هو نتاج المعالجات التطورية.

الخطيئة

إن الخطيئة بالنسبة للفكر الجديد هي استسلام، وبالتالي فإن ضحاياها هم أولئك الذين يتأثرون بوهم العالم المادي. لا وجود للخطيئة وفق تعريفها الذي يقول بأنَّها عصيان وتمرد على الله. إن الخطيئة والمرض والمعاناة هي أوهام وخيالات ذهنية يمكن الشفاء منها من خلال التفكير السليم. إلا أن الخطيئة هي فعل حقيقيّ قام به أولاً كل من آدم وحواء (التكوين ٣) ويُفهم هذا الفِعل على أساس أنَّه انتهاك لشريعة الله (يوحنا الأولى ٣: ٣-٥)، وهو الفِعل الذي كَفَّر عنه المسيح من خلال موته الكفّاري على الصليب (بطرس الأولى ٢: ٢٤).

الجحيم

يعتقد أنصار الفكر الجديد بأنَّ الجحيم هو حالة ذهنية أو ضمير مُصاب بالوهم أو الذنب، بذلك يشذُّون عن التعليم المسيحي التقليدي الذي يقول بأنَّ الجحيم هو مكان العذاب الأبدي لغير المؤمنين والأشرار.

المسيح والخلاص

يؤكِّد دُعاة الفكر الجديد على أنَّ يسوع كان مُعلماً، وبأنَّه كان قد علّم بشكل متكرّر بأنَّ ”ملكوت الله داخلكم“، إنهم يرفضون بشكل قاطع أن يكون يسوع ”المسيح، ابن الله الحي“ (متى ١٦: ١٦) أو أن يكون الطريق الوحيد للخلاص (يوحنا ٣: ١٦، ١٨؛ ١٤: ٦). إن الخلاص بحسب هذا الفكر ليس ندماً وتوبةً أمام الله من أجل الحصول على مغفرة الخطايا والوعد بالحياة الأبدية. بل هو اكتشاف للألوهة الكامنة في داخل المرء. يتشابه تعليم هذه الحركة مع المسيحية في أن الخلاص يُعرض للجميع، ولكن في الفكر الجديد، فقط أولئك الأشخاص المميزون من الحركة سيتحصلون على المعرفة الغنوصية للتمييز بين العالمين الروحي والماديّ.

الخلاصة

يميل الأشخاص الذين ينجذبون إلى عقائد الفكر الجديد إلى نهج فكري وفلسفي للدين، ولا يزال الفكر الجديد أحد الأديان النشطة من علم الذهن.

معلومات إضافية

مواقع الكترونية:

https://new-thought.org، https://antn.org، http://neweverymoment.com.

النصوص المقدسة:

الكتاب المقدس.

الأعضاء:

لا يوجد إحصائية تُوثّق عدد الأعضاء المنتسبين.


مُلحق: المِيسمَرِيَّة (Mesmerism)

خلال القرن الثامن عشر كان العديد من ممارسي الطب يعتقدون بارتباط العلم بالتصوف والفولكلور، وظهر ادعاء بين الممارسين الأوروبيّين بوجود قوة علاجية خاصّة للأحجار المغناطيسية. قام الطبيب النمساوي فريدريك (فرانز) أنتون ميسمِر (١٧٣٣-١٨١٥) بتكييف هذه النظرية لتكوين مصطلح جديد وهو ”مغناطيسيّة الحيوان“ وهو ما قام بتعريفه وتحديده على أساس أنَّه سيل غير مرئي يتدفق من الشمس والقمر والنجوم والحيوانات والحديد. كان ميسمر قد اعتقد أنَّ المرض ينتج عن اختلال التوازن المغناطيسي لدى الشخص المريض. وكان العلاج المقترح ينطوي على استخدام قضبان حديدية وعصيّ مغناطيسية لتوجيه السيل المغناطيسي العلاجي نحو المريض. تترافق هذه الجلسات العلاجية في الغالب مع دخول المريض في حالة من الغيبة (النشوة) العميقة.

توجَّه العديد من الأطباء التقليديّن بتهمة السحر والدَجَل إلى مِيسمَر مما دفع ملك فرنسا إلى تعيين لجنة من العلماء والأطباء البارزين ليقوموا في العام ١٧٨٤ بالتحقيق في الإجراءات التي يقوم بها ميسمر. بعد مراقبة جلسات الشفاء، خَلُصَت اللجنة إلى أنَّه لا يوجد أي سيل مغناطيسي، بالإضافة إلى كون الآثار الشفائية التي يتمّ الإبلاغ عنها، إنما هي بسبب الإيحاء والتخيلات فقط.

على الرغم من أنَّ نظريات ميسمر كانت تحتوي على عيوب خطيرة، إلا أنَّها فتحت الأبواب أمام المزيد من الدراسات والفحوصات عن طبيعة وتأثير الغيبة (النشوة). فنجد أن تلميذ ميسمر الأسبق المدعو ماركيز دي بويسيجور (Marquis de Puysegur) كان قد طوَّر ممارسة السير أثناء النوم (الرَوْبَصَة) المصطنعة (من خلال إحداث نشوة عميقة تحت تأثير التنويم) وانتهى به الأمر بتقديم العديد من الإدعاءات عن وجود قُوى وعلاجات معجزية. كشفت الدراسات الشاقّة التي قام بإجراءها عن محدودية سيطرة المُعالِج على المُعالَج؛ وهي المُقيّدة بإرادة وقرارات الأخير. حيث أن الغيبة (النشوة) كانت تنتهي بشكل مفاجئ عند طلب ارتكاب فعل أو عمل يعتبره المُعالَج غير أخلاقيّ.

كان الرهب البرتغالي آبي خوسية دي فاريا (Abbé Jose di Faria) الذي درس مع بويسيجور قد رفض فكرة المغناطيسية الحيوانية وقدَّم تعريفاً للنشوة على أساس أنها حالة من النوم العميق التي تنتج عن التركيز العلاجي. كما اكتشف أنَّه من الممكن للمرضى في حالة النشوة أن يكونوا أقل حساسية للألم الناجم عن الجراحة - وقد قام العديد من الأطباء باستخدام هذه الظاهر ليحققوا بعض النجاحات. كان لاكتشاف الكلوروفورم ومحلول الإيثر وبعض المواد التخديرية الأُخرى، الدور الرئيسي في تقليل استخدام التنويم في الطب.

بعد أن تمَّ تعديل وإعادة تعريف العديد من أفكار ميسمر، قام الباحث البريطاني جيمس برايد (James Braid) في القرن التاسع عشر بإسقاط كلمة المغناطيسيّة (Magnetism) واستخدام كلمة التنويم (Hypnosis) المأخوذة من الأصل اليوناني هيبنوس الذي يعني النوم. وقدم اقتراحات تفيد بأنَّ حالة المشي أثناء النوم (الرَوْبَصَة) أو الغيبة (النشوة) إنما هي ناجمة عن تغيّرات في الجهاز العصبي للجسم وليس لها ارتباط بوجود سيل غير مرئيّ.

تابع الممارسون الطبيّون التقليديّون مناقشة القيمة العلاجية للتنويم (Hypnosis). قام طبيب الأعصاب الفرنسي جان مارتن شاركو(Jean-Martin Charcot) بربط الأمر بالإضطرابات الهيستيريّة التي لا يتمّ ملاحظة وجود مُسبّبات جسدية لها. وقد ادَّعى أنَّ التنويم هو عبارة عن عُصاب مُستحثَّ بشكل صناعي لا يُمكن توجيهه إلا إلى ”الأشخاص من ذوي الحساسية المفرطة وغير المتوازنين والضعفاء“. في المقابل من ذلك، جادل أمبروز-أوغست ليبولت (Ambroise-Auguste Liebeault) وهيبوليت بيرنهايم (Hippolyte Bernheim) بأنَّ قوة الإيحاء على العقل البشري هي عالية جداً، ولا تؤثر فقط على المرضى الضعفاء بل على الأشخاص العاديين أيضاً.

القرن العشرين. تراجع اهتمام سيغموند فرويد بالتنويم بعد أن جُذِبَ إليه وحاول استخدامه لإزالة الأعراض الجسدية والأفكار والذكريات المزعجة. كان قد نفذ صبره إلى درجة كبيرة بعد أن قاوم البعض من الأشخاص - الذين كانوا موضع العلاج - التنويم حيث أنهم لم يخضعوا لسيطرة المُنَوِّمْ. بعد أن أجرى عِدَّة محاولات، وصل إلى استنتاج يفيد بأنَّ بعض التأثيرات كانت مُجرَّد حِيل. لكن تجاربه مع التنويم قد لعبت دوراً جزئياً في إنشاء مجال جديد للعلاج، وهو التحليل النفسي، والذي بدوره أصبح الأمر الرائج في تلك المرحلة.

أنتجت الحرب العالمية الأولى مئات الحالات من عُصاب المعركة. عالج جيمس ماكدوغال (James McDougall) العديد من هؤلاء المرضى وكان من أوائل الأشخاص الذين استخدموا التنويم لاستكشاف علم النفس المرضي. بعد ذلك، أصبح التنويم أداةً سريرية شائعة لدى كل من الأطباء والمعالجين النفسيين. في العام ١٩٥٦، ذكرت الجمعية الطبية الأمريكية أن التنويم ”يمتلك قيمة بوصفه مساعداً علاجياً“. في العام ١٩٥٧ تشكلت الجمعية الأمريكية للتنويم السريري.

مع ازدياد القبول العام للتنويم، انتقل النقاش من الجدل عما إذا كان فعالاً، إلى الجدل حول ماهيَّته. اعتقد التقليديّون أن التنويم يتسبب بانتقال المُنَوَّم إلى حالة من الوعي تختلف عن النوم واليقظة. إضافةً إلى وجود مستويات مختلفة من التنويم: فكلما كان المستوى أعمق، كان المُعالَج أكثر استجابةً لمختلف الإقتراحات.

تم رفض هذه النظرة إلى التنويم من قِبل أشخاص آخرين، وهم الذين نظروا إلى الأمر على أساس أنَّ استجابة المُنوَّم ناجمة عن الرغبة أو الضغط الذي يتعرض له لتنفيذ وتحقيق توقُّعات المُنَوِّم.

تم اجراء العديد من التجارب من قِبَل مجموعات مختلفة حول العالم، وقد أشارت  نتائجها إلى مخاوف مُهمة تتعلق بدقة المعلومات التي يتم الحصول عليها أثناء عملية التنويم. حيث أن الرغبة في تلبية توقّعات المُنَوِّم قد تدفع بالشخص إلى استدعاء أو تقديم ذكريات غير دقيقة أو غير صحيحة. وهذا الأمر أدى إلى رفض المحاكم الأمريكية للأدلة القانونية التي يتمَّ الحصول عليها من خلال التنويم بسبب عدم اليقين من إمكانية الإيحاء أو التأثير على الشخص الذي يتعرض للتنويم.

تسببت قابلية الإيحاء المذكورة برفع مستوى التحذير من استخدام التنويم، لاسيما في عمليات استرجاع الذاكرة أو تفسيرها. إذ أنَّه من الممكن للمُنَوِّم أن يؤثر على الشخص موضع العلاج من خلال الطريقة التي يتحدث فيها عن الموضوع الذي يتم العمل على استذكاره. على سبيل المثال، إن افترضنا أن المُعالِجَ المُنوِّمَ يقترح بأنَّ بعض الأعراض المشابهة للإكتئاب أو اضطرابات الشهية تُشير إلى وجود تحرّش جنسي سابق. فإنه يُمكن للمُعالَج أن يبدأ بعد ذلك بتخيّل أو إعادة تفسير التجارب السابقة لتتناسب مع هذا الإقتراح.

المفهوم المسيحي عن التنويم. تمَّ نشر العديد من الدراسات العلمية التي نالت تقديراً جيداً وتسبب بدحض الكثير من المعتقدات الخاطئة والشكوك حول التنويم وعلاقته بالسحر. إن الأمر الواضح هو أن هذه الحالة من الوعي المتغير لا تُقدِّم دليلاً على الخضوع لتأثير قوى شيطانية. إن التنويم لا ينطوي على كيانات روحية شريرة، ولا يفقد المرء حقّه في الإختيار. بل إنَّ التنويم الإيحائي - بحسب الفهم المُعاصر - يُفهم على أنَّه وظيفة من وظائف الجهاز العصبي، والتي يُمكن أن يتم استخدامها على يد أشخاص مُدربين وموثوقين كأداة علاجية شرعية وآمنة.

تتعرض أذهاننا في الكثير من الأحيان إلى الخِداع نتيجةً لسوء الفهم أو التفسير الخاطئ بالإضافة إلى المعلومات المُضلِّلة. إن هذه الأمور لا تسهم فقط في تشويه فهمنا لأنفسنا بل تصل إلى تشويه فهمنا لكلمة الله وطبيعته.

يُعلن داود في المزمور ٥١: ٦ ”هَا قَدْ سُرِرْتَ بِالْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ، فَفِي السَّرِيرَةِ تُعَرِّفُنِي حِكْمَةً.“ من الواجب علينا ألا نقوم بتجاهل عقولنا اللا واعية، حيث أن ذكرياتنا المكبوتة أو المخفية بالإضافة إلى سوء التفسير تستمر في تشكيل معتقداتنا وسلوكياتنا وإعاقة نمونا باتجاه النضج الروحي. يُمكن للإستخدام السليم للتنويم أن يساعد المسيحيّ على اكتشاف المعتقدات الخاطئة والمؤذية والتخلص منها في سبيل أن يصبح أكثر انفتاحاً وتقبلاً لكلمة الله الحقيقيّة والخلاصية. يُمكن للتنويم أن يكون أداة فعّالة في التنبه لنصيحة بولس الرسول التي أعطاها للمؤمنين لكي يـ”تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.“ (رومية ١٢: ٢).

يكشف سفر التكوين كيف أن الإيحاءات الكاذبة للحية الشريرة دفعت بحواء إلى إساءة تفسير أوامر الله والتشكك في صلاحه - وكانت العواقب مأساويّة (التكوين ٣). إن السؤال ليس عما إذا كان مُمكناً لنا أن نتعرض للإيحاءات، إذ أنَّ كلّاً من خبراتنا الشخصية والكتاب المقدس يُقرّان بذلك. إلا أنَّ القضية الرئيسية هي لمن نعهد ضعفنا. يُمكن للتنويم - في حال استُخدِمَ من قِبَل مُتخصِّصٍ أخلاقي - أن يساعدنا على تمييز الحقيقية المزروعة في كياننا لكي نصبح أكثر شبهاً بالمسيح.


المراجع

  • Allen, A.L., 1908–1926. NEW THOUGHT J. Hastings, J. A. Selbie, & L. H. Gray, eds. Encyclopædia of Religion and Ethics, 9, pp.359–361.
  • Decker, D.H., 1999. Hypnosis D. G. Benner & P. C. Hill, eds. Baker encyclopedia of psychology & counseling, pp.595–597.
  • DeMar, G. ed., 2007. Pushing the Antithesis: The Apologetic Methodology of Greg L. Bahnsen, Powder Springs, GA: American Vision.
  • Eucken, R. et al., 1908–1926. Dualism J. Hastings, J. A. Selbie, & L. H. Gray, eds. Encyclopædia of Religion and Ethics, 5, pp.100–114.
  • Evans, C.S., 2002. Pocket dictionary of apologetics & philosophy of religion, pp.36–37, 117–118.
  • McKim, D.K., 2014. The Westminster Dictionary of Theological Terms Second Edition, Revised and Expanded., Louisville, KY: Westminster John Knox Press.
  • Nichols, L.A., Mather, G.A. & Schmidt, A.J., 2006. Encyclopedic Dictionary of Cults, Sects, and World Religions, pp. 216–218, 390, 393, 408, 421, 452, 457.
  • Singer, I. ed., 1901–1906. The Jewish Encyclopedia: A Descriptive Record of the History, Religion, Literature, and Customs of the Jewish People from the Earliest Times to the Present Day, 12 Volumes, 5, p.5.
  • الصور المُستخدمة ملكية عامة وغير خاضعة لحقوق الملكية الفكرية