الإطار الزمني للخلق

إنَّه من غيرِ المُمكن أنْ يتمَّ تقديمُ تفسيرٍ لسفر التكوين بحيث يتوافقُ من خلاله مع التطوّر. فإنَّ موسى حينَ كتبَ السِّفرَ كانَ يريدُ لنا أن نفهمَ أنَّ الله خلقَ السماءَ والأرضَ بطريقةٍ معجزيّةٍ. فإنَّ الله قدْ خلقَ الأشياءَ بكلمَتِه منَ العدمْ دونَ أن يكونَ لها أيُّ وجود مسبق. لكنَّ السؤالَ المطروح : كم هو مقدارُ الزمنِ الذي مرَّ منذُ أن خلقَ الله الكونَ؟

إن القراءةَ الأمينةَ لنصِّ سفرِ التكوينِ تقدِّمُ الإقتراحاتَ التاليةَ:

1- خلقَ اللهُ السماواتَ والأرضَ وكلَّ شيءٍ فيها في سِتَّةِ أيامٍ ومن ثمَّ استراحَ في اليومِ السابعِ.

2- انَّ اسبوعَ الخلقِ هذا قدْ وقعَ مُنذُ ما يَقرُبْ منْ سِتَّةِ آلافِ عامٍ، حيثُ يتمُّ الوصولُ إلى هذا الرقمِ من خلالِ سلاسلِ النسبِ المُسَجَّلَةِ، ونعرفُ بأنَّ ابراهيمَ قد عاشَ حوالي العام ٢٠٠٠ قبلَ الميلاد.

3- إن الطوفانَ الموصوفَ في سفرِ التكوينِ ٦-٨ كان طُوفاناً عالمياً، قَضى على كُلِّ الحيواناتِ والبشرِ عدا أولئكَ الذينَ حُفظوا على متنِ الفُلكِ الذي بناهُ نوحٌ. وبالرغمِ من أنَّ الكتابَ المقدسَّ لا يتكلمُ عن المُستحاثَّاتِ بشكلٍ مباشرَ، إلا أنَّ معظمَ المُستَحاثَّاتِ التي تتواجدُ على الأرضِ هيَ نتيجةً للطوفانِ.

وبالتالي، فإنْ كانَ سِفرُ التكوينِ – كما سبقَ وأظهرنا – هوَ سردٌ تاريخيّ دقيقٌ، حينها سيكونُ مِنَ الطبيعيّ أن نستنتجَ أنَّ مؤلِّفَ سِفرِ التَّكوينِ أرادَ بالحقيقةِ أن يُقدِّمَ لنا ما مفادهُ أنَّ الخلقَ قد تَمَّ في مُدَّةِ سِتَّةِ أيامٍ، منذُ بِضعَةِ آلافٍ منَ السنينِ، وأنَّ طوفانَ نُوحٍ كانَ حدثاً حقيقيّاً، ذا امتدادٍ عالميّ.

إنَّ هذا الأمرُ يَسيرُ باتجاهٍ مُغايرٍ لما يتعلَّمَهُ النَّاسُ في أغلَبِ المدارسِ حولَ العالم. فنحنُ بالعادةِ نتعلَّمُ أنَّ عُمُرَ الأرضِ ٤,٥ مليارَ عامٍ وبأنَّ الكونَ أقدمُ من ذلكَ – حيثُ يعودُ إلى ما يَقرُبُ من ١٣ مليار عام!

ومِنَ المُفتَرضِ أنَّ العَمَليّاتَ التي أدَّت إلى تَشَكُّل الأرض قد استمرَّتْ لملياراتٍ منَ السنواتْ، وليسَ خلال فترةٍ تقتصرُ على سِتَّةِ أيامٍ. كما أنَّ المستحاثاتَ بحسبِ ما يُقالُ قَد تَشكَّلَت على امتدادِ مئاتِ الملايينِ من السنواتِ، وليسَ كنتيجةٍ لحدثٍ كارثيٍّ هو الطوفانُ الذي حدثَ أيامَ نوحٍ. وفي الحقيقةِ، إنَّ الإعتقادَ العلمانيَّ التقليديَّ يقولُ بأنَّ الأرضَ لمْ تغطى بشكلٍ كاملٍ بالمياهِ منذُ تكوينها. كما يتمّ الترديدُ وبشكلٍ دائمٍ أنَّ التأريخَ بالنظائرِ المُشعّةِ يثبتُ أنَّ عمرَ الأرضَ يصلُ إلى ملياراتِ السنواتِ. ولهذا السبب نجدُ أنَّ الكثيرَ منَ المسيحيّينَ يميلونَ إلى محاولةِ الإلتفافِ على نصِّ سفرِ التكوينِ في محاولةٍ لإقحامِ الإطارِ الزمنيِّ العلمانيّ. لكن بما أنَّ سفرَ التكوينِ هوَ سردٌ تاريخيٌّ، فيجبُ قراءَةُ النصِّ بطريقةٍ أمينةٍ ومباشرةٍ ذلك إن كانت غايَتُنا أن نفهمَ القصدَ الذي أرادَ المؤلّفُ أن ينقُلَهُ إلينا . فكيفَ يمكنُ لأيِّ شخصٍ أن يُحاجِجَ ويُجادِلَ بأنَّ سفر التكوين يسمحُ ويؤيّدُ الأعمارَ السَّحيقَةَ ذاتَ الملياراتِ منَ السنواتِ؟

سيقومُ البعضُ منَ الأشخاصِ (بشكلٍ سليمٍ) بالإشارةِ إلى أنَّهُ حتى في إطارِ السَّردِ التَّاريخيِّ يردُ استعمالٌ للتعابيرِ المجازيَّةِ. وقد يشيرونَ أيضاً (بشكلٍ سليمٍ) إلى أنَّ الكلماتَ لا تُتَرجَمُ بشكلٍ دقيقٍ دائماً من أصلها العِبرِيّ إلى اللُّغاتِ الأُخرى. وفي حال أخذنا ما سبقَ بعينِ الإعتبارِ، فهل سيكونُ منَ المُمكِنِ أن يَسمَحَ سِفرُ التكوينِ بوجودِ الأعمارِ السحيقةِ ذاتِ الملياراتِ منَ السَّنواتِ؟ هل هو أمرٌ ممكنٌ أن نكونَ قد أسأنا فهمَ النصِّ كنتيجةٍ لسوءِ الترجمةِ أو لعدمِ فهمِ بعضِ الصِّيَغِ المجازيَّةِ غيرِ المألوفةِ؟