إن المسيحيّين الذين يعتقدون بأنهم قادرون على التوفيق بين الكتاب المُقدَّس والإطار الزمني العلماني من خلال افتراض أن أيام الخلق كانت عبارةً عن حقب زمنية طويلة، هم يُغفِلون تناقضاً مهماً للغاية – ألا وهو ترتيب الأحداث. حتى وإن قُمنا بافتراض أن أيام الخلق كانت حُقباً زمنيةً طويلةً، فإن ترتيب الأحداث لن يتوافق فيما بين الكتاب المُقدَّس والإطار الزمني العلماني/ التطوري.
إن الكتاب المُقدَّس يعلّم بأن الأرض قد خُلِقَت في اليوم الأول في حين أن النجوم قد خُلِقَت في اليوم الرابع. لكننا نجد أن الإطار الزمني العلماني يقول بما يُخالف ذلك، فالعلمانيون يؤمنون بأن النجوم قد وُجِدَت قبل الأرض بمليارات السنين.
إن الكتاب المُقدَّس يُعلِّم بأن الأشجار المُثمِرة قد خُلِقَت في اليوم الثالث، وبأن الأسماك قد خُلِقَت في اليوم الخامس. لكن الإطار الزمني التطوري يُعلِّم بأن الأسماك قد تطوَّرت قبل الأشجار المُثمرة بزمن طويل جداً (ذلك أن الأسماك قد وُجِدَت في طبقات صخرية أعمَق من التي وُجِدَت فيها الأشجار المُثمِرة).
إن الكتاب المُقَدَّس يُعلِّم بأن الطيور قد خُلِقَت في اليوم الخامس، والحيوانات البرية في اليوم السادس. إلا أن الإطار الزمني العلماني يقول بأن الديناصورات قد تطوَّرت قبل الطيور.
ماذا عن نظرية الفجوة الزمنية؟
لا يوجد أي تفسير منطقي سيقدم مُبَرِّاً للإعتقاد بأن أيام التكوين كانت أكثر من أيام اعتيادية ذات 24 ساعةٍ. وبالرغم من ذلك نجد بعض المسيحيّين يشعرون بأنَّه من الواجب عليهم أن يقبلوا الفكرة العلمانية القائلة بمليارات السنين. وبناءً عليه فقد اقترح البعض منهم بأنه وعلى الرغم من كون أيام الخلق كانت أياماً اعتياديّة، إلا أنَّه يوجد فجوة زمنية ضخمة قبل اليوم الأول. فهم يحاولون أن ينظروا إلى أسبوع الخلق على أنه أسبوعٌ لإعادة الخلق. فالبعض ممن يتخذون هذا الموقف يعتقدون بأن: الله قد خلق العالم قبل بضعة مليارات من السنين، ثم قد فسد ذلك العالم، ربما بسبب الشيطان، وبالتالي فإن أسبوع الخلق ليس إلا انعكاساً لعمل الله في (إعادة) تكوين العالم في ستة أيام اعتيادية. هذا ما يُدعى ”بنظرية الفجوة الزمنية“ وذلك أنَّ المدافعين عنها يعتقدون بوجود فجوة زمنية ضخمة تمتد لمليارات السنوات وتتموضع بين الآيتين الأولى والثانية من الأصحاح الأول من سفر التكوين.
”فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.“ (تكوين 1: 1). حيث يعتقد المؤمنون بنظرية الفجوة بأن هذه الآية تشير إلى الخليقة الأصلية التي حدثت قبل عدة مليارات من السنين. ”وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً…“ (تكوين 1: 2). وهنا يفضّل أصحاب نظرية الفجوة أن يقوموا بترجمة هذا المقطع من الآية على الشكل التالي: ”وَأصبَحَتْ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً…“ حيث يرون أن هذه الآية تحدث بعد مليارات السنين وذلك في وقت وبعد تاريخٍ غير مُسجَّل مليء بالموت والمعاناة.
لا يوجد أي قاعدة منطقية تُبرِّر وجود ”فجوة“ زمنية بين الآيتين الأولى والثانية. ولا يوجد أي مُبَرّر أيضاً لمحاولة ترجمة كلمة ”كانت“ على أنها ”أصبحت“. والحقيقة أن تركيب قواعد اللغة العبرية لا يسمح البتة بوجود أي فجوة زمنية بين هاتين الآيتين. وإليكم الأسباب.
إن الأصحاح الأول من سفر التكوين يستخدم بشكل متكرر واو العطف التي تفيد المشاركة والترتيب (consecutive)، والتي يمكن تمييزها من خلال حرف العطف ”و“ يُتبع بفعل (عَمَلْ). وذلك كما في ”وقال الربّ… وعَمِلَ الربّ.“ إن الأعمال التي تحدث على التتالي تحمل هذه البنية القواعدية. لكن التكوين ١: ٢ هو أحد استثنائات هذه القاعدة لتركيب الجملة. فهنا لا نجد ”و“ التي تفيد التتالي والترتيب إنما هي ”و“ الفصل (أو القطع disjunctive) حيث أنها أُلحقت باسم وليس فعل. حين نقرأ الترجمة إلى اللغات الأُخرى غير العبرية لا نلاحظ الفرق بوضوح. إلا أننا حين نرى ”والأرض كانت (بحسب الترتيب العبري للكلمات في الآية)“ فنحن نعرف أنها واو الفصل (القطع)، التي وبشكل مخالف لواو المشاركة، لا تشير إلى سلسلة من الأحداث المُتعاقبة؛ إنما تشير إلى أن الآية الثانية تقدم تعليقاً أو وصفاً مرتبطاً بالآية الأولى. أي أنها تقدم حالةً أو تفسيراً.
إن التكوين ١: ٢ تقدّم تعليقاً يصف حالة الأرض عند تكوينها. فواو الفصل (القطع) في هذه الحالة تشبه استخدامنا للتعليق الذي نضعة قاب قوسين ويمكن كتابتها بالشكل التالي: ”فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. (وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً)“. إن نظرية الفجوة الزمنية قد دُحِضَت بشكل كامل ولذلك فهي ليس مطروحة بكثرة في هذه الأيام.