يعتقد الناقد أن متى ٥: ١-٣ تقول بأنها كانت على الجبل في حين أن لوقا ٦: ١٧، ٢٠ تقول أنها كانت في السهل.
وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. فَفتحَ فاهُ وعَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.
متى ٥: ١-٣
وَنَزَلَ مَعَهُمْ وَوَقَفَ فِي مَوْضِعٍ سَهْل، هُوَ وَجَمْعٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، مِنْ جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ وَسَاحِلِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، الَّذِينَ جَاءُوا لِيَسْمَعُوهُ وَيُشْفَوْا مِنْ أَمْرَاضِهِمْ، … وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ:«طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ، لأَنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللهِ.
لوقا ٦: ١٧، ٢٠
لقد فشل الناقد في القيام بقراءة أمينة للنصوص التي قام بتقديمها، إن موعظة يسوع التي اشتملت على التطويبات كان قد ألقاها على الجبل، وهذا هو السبب الذي جعلها تشتهر تحت مُسمى ”الموعظة على الجبل“ (متى ٥: ١-٣).
يُحاول البعض من الأشخاص أن يقوموا بتفسير هذا الإختلاف بين السردين من خلال الإدعاء بأنَّ كاتِبَي السردَيْن الإنجيليّيَن كانا يصفان حادثتان مُختلفتان، إلا أنَّ هذا التفسير لا يقدم إجابةً معقولةً ومنطقية، وذلك يرجع إلى أنَّ الأحداث التي سبقت أو تلت هذه العظة الموصوفة في السردين المذكورين متوافقة، وقد وقعت في منطقة جغرافية واحدة، واشتملت على ذات المجموعة من الأشخاص. وبالتالي فإن هذا السيناريو بعيد الإحتمال.
إن تفسير هذا التباين في السرد سيكون أمراً سهلاً عند قراءة النصوص بطريقة دقيقة وامينة وضمن سياقها دون اقتطاع أو اجتزاء.
كان متى قد اختزل تحركات الرب يسوع ونشاطاته في الفترة المرافقة لإلقاء الموعظة – والتي يُمكن أن تكون قد امتدت لفترة ليست بقصيرة – وبعد أن قدَّم التقرير المُختصر، قال عن يسوع بأنَّه ”صعد إلى جبل“. في المقابل نجد أن لوقا ينقل تفاصيل إضافية عن الأحداث التي جرت في الليلة التي سبقت إلقاء الموعظة المذكورة، ومن ثمَّ يضيف في الآيتين ١٣، ١٧ من الإصحاح السادس قائلاً:
وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا «رُسُلاً»: … وَنَزَلَ مَعَهُمْ وَوَقَفَ فِي مَوْضِعٍ سَهْل، هُوَ وَجَمْعٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ،
لوقا ٦: ١٣، ١٧
وبالتالي فإن الإجابة على هذا الإعتراض ليست على درجة من الصعوبة، فالأحداث ليست متعارضة إنما متكاملة وتنقل لنا الصورة الإجمالية التي تقول بأنَّ يسوع كان قد صَعِدَ ليلاً إلى الجبل ليصلي، ومن ثمَّ في صباح اليوم التالي اختار تلاميذه الإثني عشر، ونزل بعد ذلك معهم إلى موضع سهل حيث قدَّم عظته المشهورة. إنَّ متى قد أبدى اهتماما بتفاصيل معينة من تلك الأحداث، حيث نجد تسجيلاً مُطولاً لتفاصيل كلمات يسوع في الموعظة، في حين أن لوقا كان قد أبدى اهتماماً بالأحداث المرافقة حيث سجل صلاة يسوع وحَدَثْ اختيار التلاميذ ومن ثمَّ الموعظة وقدَّم بذلك حيثيّات كان قد أغفل متى عن ذكرها.
إن هذا التباين في التفاصيل المُسجَّلة يُظهر أنَّ الكُتَّابَ كانوا مُستقلّين بعضهم عن بعض في تسجيلاتهم التي دوّنوها تحت إرشاد الروح القدس الذي قادهم ليكتبوا تلك الكلمات عينها التي أراد منهم أن يكتبوها بأسلوبهم ولغتهم الخاصّة لينتجوا في نهاية المطاف سرداً متكاملاً ينقل لنا ما نحتاج معرفته عن حياة يسوع وخدمته الأرضية إلى قيامته وصعوده إلى يمين الآب.