الإعتراض #٢٧١، على ماذا تستقر الأرض؟

يطرح الناقد تساؤله فيقول: هل تستقر الأرض على لا شيء كما يرد في سفر أيوب ٢٦: ٧، أم أنها تستقر على أعمدة وأساسات كما يرد في سفر صموئيل الأول ٢: ٨ وسفر أيوب ٩: ٦.

يَمُدُّ الشِّمَالَ عَلَى الْخَوَاءِ وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لَا شَيْءٍ.

أيوب ٢٦: ٧

يُنْهِضُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ، وَيَرْفَعُ الْبَائِسَ مِنْ كَوْمَةِ الرَّمَادِ، لِيُجْلِسَهُ مَعَ النُّبَلاءِ، وَيُمَلِّكَهُ عَرْشَ الْمَجْدِ، لأَنَّ لِلرَّبِّ أَسَاسَاتِ الأَرْضِ الَّتِي أَرْسَى عَلَيْهَا الْمَسْكُونَةَ.

صموئيل الأول ٢: ٨

هُوَ الَّذِي يُزَعْزِعُ الأَرْضَ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا.

أيوب ٩: ٦

لقد فشل الناقد في قراءة النصوص السابق ذكرها بطريقة أمينة وموافقة للسياق الأدبي الذي كُتبت وِفقَه، فجميع الآيات التي قام الناقد بتقديمها قد وردت ضمن سياقات تستخدم أسلوباً أدبياً يُعرف تحت مُسمى التوازي التوافقي، وهو أسلوب أدبي شعري يقوم بتقديم فكرة واحدة من خلال مجموعة من العبارات المُتوازية أو ذات المعاني المتشابهة. يُظهِر هذا الأمر أن النصوص هي نصوص شعرية ذات طبيعة رمزية وتستخدم البلاغة، وبأنَّه يجب عدم أخذها بطريقة تُخالف الغاية الأدبية والروحية المُرادة منها.

إن الأرض مُعلَّقة على لا شيء، أي كما لو أنها تطفوا في الخلاء، وهو الأمر الذي تتم الإشارة إليه في أيوب ٢٦: ٧، ولا يجب أن يوجد أي صعوبة في تفسير هذا الجزء. لكن، هل يتناقض هذا الأمر مع ما يرد في كل من صموئيل الأول ٢: ٨ وأيوب ٩: ٦؟

على ما يبدو أن الناقد يعتقد بأنَّ كُتاب الوحي المُقدس يشيرون إلى أنَّ الأرض مُثبَّتة على أعمدة، وبأنَّه يجب الأخذ بهذه العبارة بطريقة حرفية صرفة، إلا أنَّ هذا الأمر هو مُخالفة مباشرة لأحد مبادئ التفسير الرئيسية التي تتطلب أن يتم التعرف على الأسلوب الأدبي للنص المُراد تفسيره. فالنص الكِتابي يستخدم ”أعمدة الأرض/أساسات الأرض“ بطريقة بلاغية ليشير إلى ثباتها من خلال استخدام تلك المُحاكاة.

إن قُمنا بالنظر إلى سفر الأمثال ٩: ١ سنجد بأنَّه يتم الإشارة إلى ”الحكمة“ على أنها مُستقرة أو قائمة على سبعة أعمدة – إلا أنَّه هذا الأمر لا يُمكن أن يشير إلى أعمدة ماديّة – وذلك يرجع إلى حقيقة كون الحكمة أمراً غير ماديّ. أما في سفر الرؤيا ٣: ١٢ ورسالة غلاطية ٢: ٩ فيشار إلى الأشخاص الثابتين والمستقيمي الرأي على أنَّهم أعمدة نتيجةً لثباتهم على مواقفهم وأمانتهم.

الْحِكْمَةُ شَيَّدَتْ بَيْتَهَا، وَنَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا السَّبْعَةَ

الأمثال ٩: ١

كُلُّ مَنْ يَنْتَصِرُ سَأَجْعَلُهُ عَمُوداً فِي هَيْكَلِ إِلَهِي، فَلا يَخْرُجُ مِنْهُ أَبَداً، وَسَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلَهِي وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلَهِي أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ، الَّتِي تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلَهِي، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمِي الْجَدِيدَ.

سفر الرؤيا ٣: ١٢

فَلَمَّا اتَّضَحَتِ النِّعْمَةُ الْمَوْهُوبَةُ لِي عِنْدَ يَعْقُوبَ وَبُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَهُمُ الْبَارِزُونَ بِاعْتِبَارِهِمْ أَعْمِدَةً، مَدُّوا إِلَيَّ وَإِلَى بَرْنَابَا أَيْدِيَهُمُ الْيُمْنَى إِشَارَةً إِلَى الْمُشَارَكَةِ، فَنَتَوَجَّهُ نَحْنُ إِلَى غَيْرِ الْيَهُودِ وَهُمْ إِلَى أَهْلِ الْخِتَانِ،

غلاطية ٢: ٩

في رسالة تيموثاوس الأولى ٣: ١٥، نجد أنه تتم الإشارة إلى الكنيسة على أنها عمود (ركن) الحق بطريقة مشابهة لما سبق تقديمه.

حَتَّى إِذَا تَأَخَّرْتُ تَعْلَمُ كَيْفَ يَجِبُ التَّصَرُّفُ فِي بَيْتِ اللهِ، أَيْ كَنِيسَةِ اللهِ الْحَيِّ، رُكْنِ الْحَقِّ وَدُعَامَتِهِ.

تيموثاوس الأولى ٣: ١٥

وبالتالي فإن الآيات الواردة في صموئيل الأول ٢: ٨ وأيوب ٩: ٦ – إن تمت النظر إليها ضِمن سياقي الأدبي – سوف تشير إلى أنَّ الأرض مُستَقِرَّة بمعنى أنَّها ليست متزعزعة. وهذا الأمر لا يتناقض مع التصريح البلاغي الحقيقي بكون الأرض مُعلَّقة على لا شيء، إذ أنَّها مُعلَّقة على لا شيء ومع ذلك فهي غير متزعزعة ومستقرة.