الديناصورات والكتاب المقدس

كاتب المقال:
Cover Image for: bible-and-dino

المجد لله،

إن هذه الدراسة هي مجرد عمل بحثي بسيط ينقل إليكم خلاصة ما قدَّمه اللاهوتيون والأكاديميون الذين يتمسكون بالكتاب المقدس ويدافعون عن عصمته وكفايته. القاعدة الأساسية لهذه الدراسة كانت من خلال المراجعة التي قدمها براين أوزبورن والعديد غيره من العاملين في مواقع دفاعية مثل موقع إجابات في سفر التكوين وموقع إرساليات الخلق العالمية.


مقدمة

تترافق الروايات التي يتم سردها عن الديناصورات بعبارة افتتاحية تقول: ”منذ عدة ملايين من السنوات…“. تكاد تكون هذه العبارة بمثابة افتتاحية أي سرد قصصي أو أكاديمي علماني عن تاريخ العالم الممتد إلى عدة ملايين أو مليارات من السنوات. إلا أنَّه من الواجب أن نتساءل عما إذا كانت هذه الإفتراضات تمتلك أسساً علمية، أم أنها مجرد افتراضات مطلوبة وضرورية لتكامل القصة العلمانية عن السرد الذي يَفْتَرِض تطور الميكروب إلى إنسان؟

لن يكون هذا التساؤل محور هذه الدراسة القصيرة، إذ أنَّه قد تمَّ تقديم كتابين بهذا الخصوص، وهما: الدليل الحاسم للخلق التوراتي للدكتور جيسون لايل، وكتاب الكذبة: التطور/ ملايين السنوات للدكتور كين هام، وهما من المراجع التي يُنصح بقرائتها.

ستكون الديناصورات هي المحور الذي تدور حوله دراستنا المختصرة هذه. إن الديناصورات هي تلك الحيوانات المنقرضة التي تبعث القشعريرة وتثير الريبة حين نراها في الأفلام السينمائية، وهي ذاتها تلك الدُّمى التي تثير بهجة الأطفال في البرامج الكرتونية، وهي التي يتم استخدامها كسلاح هجوميّ من قِبل التطورين الذين يعتقدون أنَّها تدحض الموقف الخلقي التوراتي؛ الأمر المثير للإهتمام هو أنَّه حين يتم ذكر الديناصورات أثناء الحديث عن الإيمان المسيحي، نجد سؤال يُطرح بصورة متكرّرة، ألا وهو:

كيف تستطيع أن تُقحِمَ الديناصورات في الكتاب المقدس؟

إن الإجابة السليمة وللوهلة الأولى تتسبب بصدمة للكثيرين، وأولهم المؤمنين، فالإجابة هي أننا لا نستطيع أن نُقحم الديناصورات في الكتاب المقدس. يتساءل المستمعون قائلين:

ألا تؤمنون بوجود الديناصورات؟

بالطبع نحن نؤمن بوجود الديناصورات. إلا أننا لا نقوم بإقحام أي فكرٍ في كلمة الله (أي في الكتاب المقدس)، بل بالحري نقوم بالإعتماد على الكتاب المقدس بوصفه الأساس الذي يمنحنا مدخلاً آمناً وسليماً وموثوقاً للوصول إلى تفسيرات  عن العالم المحيط بنا، بما في ذلك قضية الديناصورات. لذلك فإننا سوف نقوم بالنظر من خلال عدسة الكتاب المقدس وليس من خلال عدسة الرؤى العلمانية أو الإلحادية للعالم.

الأمر المُمَيَّزُ الذي يقوم به الكتاب المقدس هو أنه يقدم لنا الفهم السليم للماضي مما يسمح لنا بتطبيق هذا الفهم على الأدلة التي تتواجد بين أيدينا في الحاضر، حينها فقط يمكننا أن نفهم الديناصورات بطريقة سليمة ونتأكد من أن العلوم المعاصرة تؤكد التاريخ المُسَجَّلَ في الكتاب المقدس.

إن الأمر المؤكَّد هو أن كل ما يتعلق بالديناصورات ومقدار العمر الذي مضى منذ انقراضها، وكذلك الأعمار المفترضة للطبقات الصخرية وأصل الحياة وغير ذلك الكثير من المواضيع المتعلقة بعلم الأصول، إنما هي أمور ترتبط بشكل مباشر بالقلب وليس بالعقل. هذا يعني أنَّ المشكلة ليست مشكلة أكاديمية، إنما هي مشكلة إيمانية، فالشقاق يرتبط باختلاف في الرؤية المستخدمة للعالم، جميع العلماء سواء كانوا علمانييّن أم مؤمنين بالكتاب المقدس يتعاملون مع ذات الأدلة التي تتواجد في الحاضر - إنهم يتعاملون مع ذات الطبقات الصخرية، وذات البقايا المتحجرة، وذات سلاسل الحمض النووي - إلا أنهم يقومون بتقديم تفسيرات لهذه الأمور في الحاضر، ويقومون بتقديم تخمينات معينة تتعلق بمصدر هذه الأشياء وعمرها المفترض. وذلك بالإعتماد على الافتراضات المسبقة المختلفة التي تتعلق بالماضي، والتي ترتبط بشكل مباشر بالرؤية للعالم.

الأمر المؤكد الآخر هو أن تحليل البيانات بالإعتماد على الافتراضات المسبقة الخاطئة سوف يتسبب بالوصول إلى استنتاجات خاطئة، هذا الأمر سيتشابه مع ما قد يحصل عند البدء بإغلاق أزرار القميص من خلال وضع الزر المناسب في الفتحة غير المناسبة. إن هذا الأمر مُشابه لما يحدث مع العلماء العلمانيين حين يقومون بتحليل العديد من البيانات بالإعتماد على افتراضاتهم المسبقة الخاطئة والمتعلقة بعمر الأرض وعمر الكون وأصل الحياة وغيرها من الإفتراضات العلمانية، لذلك فإنهم يصلون إلى الإستنتاجات الخاطئة لأنَّ نقطة انطلاقهم كانت مبنية على الآراء البشرية عوضاً عن كلمة الله.

إن العمر المفرض لكوكب الأرض هو من بين أكثر الأمثلة وضوحاً. الأمر المميز فيما يتعلق بعمر الأرض هو أن الغالبية العظمى من العلماء الذي تواجدوا بين نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر كانوا يؤمنون بالكتاب المقدس وبأن الأرض ترجع إلى بضعة آلاف من السنوات.

من المثير للفضول معرفة ما هو الأمر الذي قد اكتُشِف في بدايات القرن التاسع عشر وتسبب بتغيير معتقدهم حيال عمر الأرض ليعتقدوا بأن عمرها يصل إلى عِدَّة ملايين أومليارات من السنوات، فما هو الأمر الذي اكتشفوه أو عثروا عليه؟

في الحقيقة، لم يتمّ العثور على أي أمر جديد يتعلق بالمستحاثات أو بالطبقات الصخرية. المستحاثات هي ذاتها والطبقات الصخرية هي ذاتها، لم يكن الأمر مرتبطاً بالقياس بالنظائر المشعة أيضاً.

لكن ما الذي عثروا عليه وتسبب في تغيير آراءهم؟

إن الإجابة هي لا شيء. لم يعثروا على أي شيء مؤثر بشكل مباشر. كان الأمر هو ظهور بعض الأشخاص المؤثرين من أمثال جيمس هاتن وتشارلز لايل وسواهما، وقد قام هؤلاء بتقديم مُقترحات تقول بعدم وجود حاجة لطوفان نوح لكي يتم تفسير تلك الطبقات الصخرية والمستحاثات، حيث يمكن أن يتم تفسير كل ما سبق من خلال العمليات الطبيعة وذلك في حال تم منح تلك العمليات الطبيعية أمراً واحداً وهو: الزمن الكافي. كان هذا مخاض فكرة السنوات المليونيّة كعمر مفترض للأرض.

لم تكن هذه الفكرة مبنية على أي دليل جديد.

جورج لويس دي بوفون: قدَّر عمر الأرض منذ أن بدأت تبرد بحدود ٧٨٠٠٠.
بيير سيمون دي لابلاك: فرضيات السديم في عام ١٧٩٦، قدَّر أن العمر بالِغَ القِدَم.
جون بابتسيت لامارك: وضع فرضية التطور البيولوجي وقدر أن العمر بالِغَ القِدَم.
أبراهام ويرنر: وضع فرضية تراجع المحيط وقدر أن العمر يصل إلى مليون سنة مضت.
جيمس هاتن: مؤمن بمذهب الطبيعة الواحدة، لايوجد بداية.
جورج كوفيير: مؤمن بنظرية الكارثة (أي أن الكوارث الطبيعية هي ما تسبب بوجود المستحاثات)، قدر بأن العمر بالِغ القِدم.
ويليام سميث: تأريخ الطبقات الصخرية بالإعتماد على المستحاثات، قدر بأن العمر بالِغ القِدم.
تشارلز لايل: مؤمن بمذهب الطبيعة الواحدة، لايوجد بداية.

نظريات العمر القديم للأرض بين عامي ١٧٧٨ و ١٨٣٣

ذات الطبقات الصخرية وذات المستحاثات، إلا أنَّ الساحة شَهِدَت ظهور تفاسير جديدة مبنية على افتراضات مسبقة تعتمد على كلمة الإنسان على اساس أنها تشكل نقطة بداية أفضل من كلمة الله. إنَّ الأمر الذي كان قد ساهم بشكل أساسي في الإبتعاد عن كلمة الله، عبَّر عنه تشارلز لايل حين أعلن أنَّ هدفه هو: ”تحرير العلم من موسى.“ أي أنَّ الهدف الأساسي من مقاربته هذه هي إخراج الله من الساحة العلمية.

ابتداءاً من تلك المرحلة، تحوَّلت الأغلبية العظمى من العلماء إلى تَبَنِّي الرؤية التي تعتمد المذهب الطبيعي. إن المُعضلة تكمن في أنَّه عندما يتم اعتماد منظور مُعيَّنٍ لتحليل العالم بالإعتماد عليه، فإنه يصبح من شبه المستحيل أن يتم النظر وفق أي منظور آخر. هذا الأمر يتشابه مع تعرض المرء إلى عملية غسيل للمخ، حيث يتم تلقينه الكثير من الإستنتاجات المدعومة بافتراضات مسبقة يتم الترويج لها، في الوقت الذي يتم اخفاء الإفتراضات الأُخرى أو التعتيم عليها بشكل يدفع بالمُتلقي إلى الإعتقاد بانعدام وجود بدائل.

الديناصورات هي واحدة من بين الأدوات الرئيسية التي يستعملها العلمانيون تحت تأثير عدو الخير (سواء كانوا يدركون ذلك أم لا)  لجذب الأشخاص وخصوصاً الأطفال إلى اعتناق الرؤية العلمانية للعالم، وهي الرؤية تقول بشكل رئيسي بأن الكتاب المقدس لا يقدم تاريخاً حقيقياً وأنه من غير الممكن أن يتم الوثوق به.

يجب أن يتم التنبُّه إلى هذه النقطة، بشكل خاصّ عند التعامل مع الجيل الجديد. فالسؤال الذي يجب علينا أن نُجيب عليه هو: إن لم يكن من الممكن لنا الوثوق بالتاريخ الذي يقدمه الكتاب المقدس، فما هو السبب الذي قد يدفعنا لكيما نثق بأي تعليمٍ آخر يقدمه عن الخلاص؟

هذا الأمر منطقي، فإنه إن لم يكن من الممكن أن نثق  بما يقدمه في بداياته فما هو الأمر الذي سيدفعنا لنثق بما يرد في متنه أو في خاتمته.

إن الدراسات المعاصرة بيّنت أن ثلثي الأحداث الذين ينشأون في الكنائس والمنازل المسيحية يتركون الإيمان حين يصلون إلى المرحلة الجامعية!

إن كنتم تتساءلون عن السبب، فإن السبب هو أنهم يعتقدون بأنه قد تم اثبات بطلان الكتاب المقدس من قبل العلماء المعاصرين وذلك من خلال استخدام نظريات بديلة مثل التطور.

إن هذا الأمر شديد الأهمية ويواجه كل عائلة وكل كنيسة، ويتوجب علينا أن نكون مستعدين لتقديم اجابات عن سبب الرجاء الذي فينا.

أسبوع الخلق

عند النظر إلى السرد التوراتي الذي يصف لنا أحداث أسبوع الخلق، نجد سؤالاً يُطرح بشكل مُتكرّر، وهو:

في أيِّ يوم خلق الله الديناصورات؟

إن الديناصورات كانت قد خُلِقَت في اليوم السادس من أسبوع الخلق. ان قمنا باستخدام المنطق البسيط نستطيع أن نعرف بأن الديناصورات هي حيوانات برية، ونحن نعرف بأنَّ جميع المخلوقات البرية قد خُلِقَت في اليوم السادس.

يجدر بنا التنبّه إلى أن العديد من الكائنات البحرية أو الكائنات القادرة على الطيران التي يتم وضعها جنباً إلى جنب مع الديناصورات هي ليست ديناصورات من الناحية العملية ـ إنما تخضع لتصنيفات أُخرى. إنَّ الديناصورات بحسب التعريف هي حيوانات بريّة، والتي-ريكس T-Rex المُحبَّب لدى الغالبية العظمى من العلماء هو واحد من هذه الفئة.

لا بد لنا في هذا المقام من الإشارة إلى أن الكتاب المقدس ليس كتاباً دراسي يقدم لنا جميع المعلومات التي يُمكن أن توجد عن علم الأحياء أو غيره من العلوم، وهذا الأمر يتضح من حيث أننا لا نجد في الكتاب المقدس أيَّ لائحة باسماء جميع الكائنات التي خُلِقَت. على الرغم من أنه يذكر لنا أسماء الكثير من الحيوانات إلا أنه لا يذكر جميع الأنواع أو الفصائل. وهذا الأمر جيد اذ أنَّه يجعل من قراءة ودراسة الكتاب المقدس أمراً يسيراً، فإنه لن يكون من السهل اتمام قراءة الكتاب المقدس فيما لو كان يسرد لنا قائمة تفصيلية بتلك الاسماء. يقوم العديد من الأشخاص بتجاوز قراءة سلاسل النسب المذكورة في الكتاب المقدس نظراً لاحتوائها على الكثير من الأسماء، متذرّعين بصعوبة نُطقها أو بعدم وجود مُتعة في ذلك الأمر. فكيف سيكون الحال مع سلسلة بأسماء جميع أنواع الحيوانات المخلوقة؟

لكن إن كانت الديناصورات قد خُلِقَت في اليوم السادس، لماذا لا نجد كلمة ديناصور في الكتاب المقدس؟

إن هذا الطرح صحيح، فكلمة ديناصور ليست مذكورة في الكتاب المقدس، والسبب هو ذاته في كوننا لا نجد العديد من الكلمات الأُخرى. إنَّ كلمة ديناصور قد ظهرت إلى الوجود في العام ١٨٤١ من قبل السيد ريتشارد أوين وتعني السحالي السيئة أو البغيضة.

لم يتم استخدامها حتى بدايات القرن العشرين، ولذلك فإنه ليس من المنطقي أن نجدها في الترجمات الإنجليزية المبكرة للكتاب المقدس التي ابتدأت بالظهور منذ بدايات القرن السابع عشر وذلك أنَّ الكلمة لم تكن قد اختُرِعَت بعد.

الأمر المثير للاهتمام هو أنه يوجد كلمة أُخرى نجدها في الكتاب المقدس وعلى ما يبدو فإنها تقدم توصيفاً للديناصور، ألا وهي ”التنين“ والتي وردت في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس. مثل المزمور ٧٤: ١٣

”شَقَقْتَ البحرَ بِقُدرَتِكَ، وكسَرْتَ رُؤوسَ التَّنانينِ‌ على المياهِ.“

على الرغم من أنَّ سفر المزامير هو سفر شعري بطبيعته ويستخدم البلاغة، إلا أن الصور الشعرية تكون مبنية على أشياء حقيقيّة وقد يكون الحيوان المشار إليه هنا  هو الكرونوصوروس البحري أو البيليصورو.

بهيموث ولوياثان

يُقدم لنا الرب الإله في مواضع أُخرى من الكتاب المقدس وصفاً تفصيلياً لمخلوقات عملاقةٍ. والواضح من ذلك الوصف هو أنه ينطبق على الديناصورات، كما هو الحال مع بهيموث ولوياثان الموصوفان في سفر أيوب.

نقرأ في سفر أيوب أن الرب قال:

”انْظُرْ إِلَى بَهِيمُوثَ (الْحَيَوَانِ الضَّخْمِ) الَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْعُشْبَ كَالْبَقَرِ.“ (أيوب ٤٠: ١٥)

بهيموث (בְּהֵמוֹת) هي كلمة عبرية تعني الحيوان العملاق أو الضخم. إن السياق النصي لهذه الآية يُظهر أن الله يُعلن لأيوب عن قدرتِه الإبداعية. إلا أنَّه يوجد عدد من التعليقات الإيضاحية التي ترد في الكتب المقدسة الدراسية التي تقترح بأن بهيموث قد يكون حيوان فرس النهر أو الفيل. لكي نقوم بتقييم صِحَّة هذا الإقتراح، يجب علينا أن نقارن الوصف الذي يرد في سفر أيوب مع سمات فرس النهر أو الفيل. نقرأ في أيوب ٤٠: ١٦

”إِنَّ قُوَّتَهُ فِي مَتْنَيْهِ، وَشِدَّتَهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ.“

إن هذه الآية قد تشير إلى أن بهيموث يمتلك معدة كبيرة وهذا الوصف ينطبق على الفيل الذي يمتلك معدة كبيرة وكذلك على فرس النهر، أو ربما يكون حيواناً آخر يمتلك معدة أكبر تؤهله لكي يفوز في مسابقة أكبر معدة. لكن الوصف الوارد في سفر أيوب ٤٠: ١٧ ينقل لنا بضعة تفاصيل إضافية ستساعدنا على تقليص القائمة:

”يَنْتَصِبُ ذَيْلُهُ كَشَجَرَةِ أَرْزٍ، وَعَضَلاتُ فَخْذَيْهِ مَضْفُورَةٌ.“

يتم في هذه الآية تشبيه ذيل بهيموث بأرز لبنان العملاق. يجدر بنا أن نلاحظ في هذا الموضع أن ذيل كل من فرس النهر والفيل لا يمتلكان المؤهلات المطلوبة لكي يتم تشبيههما بالأرز.

في أيوب ٤٠: ١٨ نقرأ وصفاً إضافياً لبهيموث:

”عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ وَأَطْرَافُهُ قُضْبَانُ حَدِيدٍ،“

في الصورة المرفقة تالياً نجد نموذجاً لقدم براكيصوروس التي تبدو بالفعل كأنها أنابيب حديدية ممدودة، ونجد أيضاً في الصورة الثانية نسخة عن مجسم مصنوع للبراكيوصوروس والتي يظهر فيها حجم تلك العظام وشكلها الذي يشبه الأنابيب الضخمة المدودة.

نقرأ أيضاً في أيوب ٤٠: ١٩

”إِنَّهُ أَعْجَبُ كُلِّ الْخَلائِقِ، وَلا يَقْدِرُ أَنْ يَهْزِمَهُ إِلّا الَّذِي خَلَقَهُ.“

إن بهيموث هو من بين مخلوقات الله الأولى والضخمة التي تثير الدهشة والتي يحاول من خلالها أن يوصل رسالته إلى أيوب. ويمكننا أن نتخيل أن ما يصفه الرب الإله في هذه الآيات هو حيوان ضخم البنية بقوة شديدة، حيث الذيل يتأرجح كالأرز كما تشير إليه الصورة المرفقة والمأخوذة من أحد مشاهد فيلم جوراسيك بارك ١٩٩٣.

يوجد مخلوق آخر مذكور في سفر أيوب وهو لوياثان والذي ربما يكون كرونوصوروس أو بيليصورو.

على الرغم من أننا لا نستطيع أن نكون على يقين تام من تصنيف هذا الحيوان نتيجةً لكون الوصف المقدم غير كاف لتحديد النوع بدقة، إلا أنَّ الأمر الجدير بالملاحظة هو أن هذا المخلوق مثير للدهشة. نجد وصفاً مطولاً لهذا الحيوان في أيوب ٤١: ١، ٩، ١٨-٢١

”أَيُمْكِنُ أَنْ تَصْطَادَ لَوِيَاثَانَ (الْحَيَوَانَ الْبَحْرِيَّ) بِشِصٍّ، أَوْ تَرْبِطَ لِسَانَهُ بِحَبْلٍ؟ … أَيُّ أَمَلٍ فِي إِخْضَاعِهِ قَدْ خَابَ، وَمُجَرَّدُ النَّظَرِ إِلَيْهِ يَبْعَثُ عَلَى الفَزَعِ. …عِطَاسُهُ يُوْمِضُ نُوراً، وَعَيْنَاهُ كَأَجْفَانِ الْفَجْرِ، مِنْ فَمِهِ تَخْرُجُ مَشَاعِلُ مُلْتَهِبَةٌ، وَيَتَطَايَرُ مِنْهُ شَرَارُ نَارٍ، يَنْبَعِثُ مِنْ مِنْخَرَيْهِ دُخَانٌ وَكَأَنَّهُ مِن قِدْرٍ يَغْلِي أَوْ مِرْجَلٍ. يُضْرِمُ نَفَسُهُ الْجَمْرَ، وَمِنْ فَمِهِ يَنْطَلِقُ اللَّهَبُ.“

يتوافق هذا الوصف مع حيوان عدائي وقوي بطريقة ملفتة، ومن الواضح أنه يجب تجنب العبث معه أو مداعبته. يوجد أيضاً أشياء رائعة في الوصف فعطاسه يُومِضُ نوراً، ونَفَسَهُ يُشْعِلُ الجَّمر، ومن فمه ينطلق اللهيب. إنَّ هذا الوصف ينطبق على تنين، وليس أي تنين بل تنين نافث للهب.

إن ردَّ الفعل المتوقع عند الإنتهاء من هذه الكلمات هو أن ينتفض المستمع متأففاً ليتسائل قائلاً: لا يمكن أن تصدق مثل هذه الخرافات بوجود مخلوق ينفث النار…!

لكن قبل أن ينطلق أي شخص إلى هذا النوع من التعليقات، فلننظر معاً إلى ما أبدعه الله في خنفساء بومبارديه الخارقة التي تقوم بإصدار مادة حارقة ضمن آلية دفاعية، حيث تقوم بتوجيه هذه المادة إلى أي معتدي يهاجمها، وذلك من خلال مزيج كيميائي تقوم بإنتاجه داخل هيكلها الصغير هذا. تصل درجة حرارة هذا المزيج لما يقرب من ٩٥ درجة مئوية. أي أنه يقترب من درجة الغليان.

إن هذا المخلوق الصغير يطلق وبشكل عملي سائلاً حارقاً ودخاناً مرافقاً له من مؤخرته، وهو قادر على القيام بهذا العمل ٧٠ مرة على التوالي ضمن آلية دفاع قابلة للتوجيه في جميع الإتجاهات. تستطيع هذه المواد الحارقة القضاء على الحشرات الأُخرى والثديّات الصغيرة كما أنها مؤذية للجلد في حال ملامسته.

إن كان الرب الإله قادر على أن يفعل هذا مع خنفساء صغيرة الحجم، فما الذي يمكن أن يفعله مع وحش من حجم لوياثان؟

يوجد الكثير من المخلوقات المذهلة التي يمكننا أن نقضي الكثير من الوقت في الحديث عنها مثل البق المضيء الذي يصدر ضوءه الخاص به في الليل، و الأنقليس الكهربائي الذي ينتج الكهرباء الخاصة به. وتجدر الملاحظة هنا أنه في حال تمَّ العثور على مستحاثة لهذا الكائن دون معرفة مسبقة به، فإنه لن يكون ممكناً أن يُخمِّن أي شخص بأنه قادر على انتاج الكهرباء الخاصة به، بل وسيعتقد أن هذا الأمر مجرد خرافة أو هلوسة.

إن معظم الحيوانات تنتج الميثان وهو غاز قابل للاشتعال، لذلك فإن ما نحتاج إليه هو الميثان والقدرة المشابهة للانقليس الكهربائي في انتاج الكهرباء وسنحصل على مخلوق قادر على انتاج لهيب.

نجد في اشعياء ١٤: ٢٩ ” وَذُرِّيَّتُهُ تَكُونُ ثُعْبَاناً سَامّاً طَيَّاراً“ وكذلك في اشعياء ٣٠: ٦ ”الأفعى والثُّعبانُ الطَّيَّارُ“ الذي غالباً ما يقصد به التيروصوروس.

الحمية الغذائية والخطيئة

يطرح البعض تساؤلاً يقول: إن كانت الديناصورات قد تواجدت في ذات الفترة مع البشر، ما الذي كان على قائمتها الغذائية؟

على سبيل المثال، يقول البعض: التيرانوصوروس ريكس يمتلك أنياباً حادة يصل طولها إلى ٦ إنشات - ما هو نوع الغذاء الذي كانت هذه الكائنات تعتمد عليه في الأصل؟

إن الإحتمالات القائمة أمامنا هي التالية:

  1. كانت نباتية.
  2. كانت لاحمة.
  3. كانت حيوانات قمَّامة.
  4. كانت نباتية ولاحمة معاً.

إن الإجابة وفق الكتاب المقدس هي الإجابة الأولى، فالكتاب المقدس يُعلِن في سفر التكوين  ١: ٢٩-٣٠ بأن البشر والحيوانات قبل دخول الخطيئة إلى العالم قد أُعطوا النباتات كطعام.

”وقالَ اللهُ: «ها أنا أعطيتُكُم كُلَّ عُشْبٍ يُبزِرُ بِزرا على وجهِ الأرضِ كُلِّها، وكُلَّ شجَرٍ يحمِلُ ثَمَرا فيهِ بِزرٌ، هذا يكونُ لكُم طَعاما. أمَّا جميعُ وُحوشِ الأرضِ، وجميعُ طَيرِ السَّماءِ، وجميعُ ما يَدِبُّ على الأرضِ مِنَ الخَلائِقِ الحَـيَّةِ، فأُعطيها كُلَّ عُشْبٍ أخضرَ طَعاما». فكانَ كذلِكَ.“

إن جميع المخلوقات كانت نباتيّةً في الأصل، قد تبدو هذه فكرة غريبة في يومنا الراهن، إلا أنها متوافقة مع السرد الكتابي وبشكل خاص مايرد في رسالة كورنثوس الأولى ١٥، ورسالة رومية ٥ - إضافةً إلى التعليم المنتشر في مواضع عديدة من الكتاب المقدس - أن الموت والمعاناة قد دخلا إلى العالم نتيجة للخطيئة، ولم يتم التصريح للإنسان بأن يتناول اللحوم  قبل الخطيئة، ذلك لأن أكل اللحوم يعني بشكل ضمني أنه يجب على حيوان ما أن يموت، لكن قبل الخطيئة لم يوجد موت.

وبالتالي فإن ديناصور التي ريكس T-Rex كان كما بقية الكائنات الحية نباتياً!  أي أنَّه كان يأكل الفواكه والخضار بما في ذلك الأناناس وجوز الهند وسواها .

قد يأتي الرد بشكل سريع من خلال الإعتراض التالي: هل تريد أن تقنعني بأن هذه الأسنان القاطعة الحادة التي يمتلكها هذا الحيوان هي لتقطيع الفاكهة والنباتات؟

نعم بكل تأكيد! هنا يجب أن نطرح سؤال: هل سبق وقمت بمحاولة قضم  ثمرة جوز الهند؟

إنها تجربة مؤلمة، وقد تكون من أكثر القرارات تهوّراً في حال قرر أي شخص أن يخوضها.

نحن نقوم -عادةً- باستخدام أداة حادة لقطع جوز الهند أو الفاكهة التي تتمتع بقشور صلبة للغاية، إلا أنَّ الديناصورات كانت مزودةً بأدواتها الخاصة التي تساعدها على قضم تلك الأشياء.

فلنفكر في الأمر قليلاً: إن وجدنا مستحاثة لكائن ما، وكانت تلك المستحاثة تمتلك أسناناً حادة ضخمة، ما هو الأمر الوحيد الذي نحن متأكدون منه؟

إنَّ الأمر الوحيد المؤكد هو أن ذلك الحيوان كان قد امتلك أسناناً حادَّةً.

يوجد في عالمنا المعاصر العديد من الحيوانات التي تمتلك أسناناً قاطعة ضخمة، وهي حيوانات نباتية بشكل جزئي أو كامل، وذلك ضمن عالمنا الذي يعاني من آثار الخطيئة والفساد.

من بين الأمثلة عن الحيوانات العاشبة التي تمتلك أسنان حادّة: سعدان الواكاري (Uakari) وهو حيوان يعتمد على النباتات بشكل أساسي.

كذلك هو الحال مع وطواط الفاكهة الذي يتغذى على أنواع مختلفة من الفاكهة، ويمتلك أسنان وأنياب حادة قد تُعطي الإنطباع بأنَّه لاحم.

الأمر عينه يتكرر مع دُب الباندا الذي يمتلك جمجمة تبدو وكأنها تعود إلى مخلوق متوحش قاتل، إلا أنَّ جرائم هذا ”الوحش“ تقتصر على تقطيع قصب البامبو.

ماذا عن جمجمة غزال الماء الصينيّ؟ إن الأنياب التي يمتلكها هذا المخلوق تُعطي الإنطباع بأنها تعود لحيوان مفترس شرس. في الحقيقة إن غزال الماء الصيني أو ”الغزال ماص الدماء“ هو حيوان نباتي.

يمكننا أن نستمر في تقديم أمثلة مشابهة، إلا أنَّ النقطة الرئيسيّة التي يتوجب علينا أن نولّيها اهتمامنا هي: أن جميع الحيوانات كانت نباتية عند الخلق.

إن السبب في هذا التغيير الحاصل هو بسيط ويمكن أن يتم تلخيصه باستخدام كلمة واحدة: الخطيئة.

إن معظم الملحدين في يومنا الراهن سوف يقدمون جدلات تقول أنه من غير الممكن أن يكون إلهاً صالحاً مُحبّاً هو من خلق هذا العالم المليء بكل هذا الموت والمرض والألم!

في الحقيقة إنهم على صوابٍ في هذا الأمر.

إن نظرنا إلى الأمر من منظور الكتاب المقدس، هل سنجد أن الله كان قد خلق عالماً مليئاً بالموت والقتل والمعاناة والألم كما هو حال عالمنا اليوم؟

كلا، إن الله قد قال عن كلّ ما صنعه بأنه حسن جداً. إنَّه من غير المنطقي أن تكون هذه الحالة المليئة بالموت والمعاناة والألم هي ما أعطاها الرب الإله وصف حسنة جداً، وبأنها هي بذاتها ما سَيُخَلِّصُنْا منه. إن الحالة الأصلية يمكن أن توصف بأنها مثالية، إلا أنَّ الخطيئة التي ارتكبناها كبشر هي من تسببت بهذا الفساد في العالم المخلوق.

من الواجب علينا ألا نرمي باللائمة على الخالق نتيجةً لسوء استخدامنا لخليقته، وفق ذات الطريقة التي لا يمكننا أن نلوم المُصنِّع في حال أسأنا استخدام المُنْتَجْ.

هنا يجب أن نلاحظ أمراً بالغ الأهمية يتجاهله الكثيرون، وهو أننا إن حاولنا أن  نُقحِمَ فكرة العمر القديم والسنوات المليونية في الكتاب المقدس، فإننا وبغض النظر عن المجهود الذي قد نقوم به لإنجاح الأمر، سواء كان من خلال نظرية اليوم الممتد إلى عصر، أو نظرية الفجوة الزمنية، أو أي نظرية أُخرى تحاول إنجاح هذا الأمر، فإن جميع هذه المحاولات مصيرها الفشل؛ يحدث ذلك بسبب وجود عيب رئيسي في جميع هذه النظريات، ألا وهو أنها تضع الموت قبل دخول الخطيئة إلى العالم، إلا أن هذا الأمر مستحيل من الناحية اللاهوتية ولأسباب عديدة.

الأمر بكل بساطة هو أنك إن رفضت فكرة كون طوفان نوح المسؤول عن معظم المستحاثات الموجودة، والطبقات الرسوبية الصخرية، فإنَّ هذا سوف يدفع بأي شخص إلى اعتناق الفكر العلماني الذي يقول أن المستحاثات قد تموضعت في تلك الطبقات الصخرية خلال مدة قد امتدت إلى عدة ملايين من السنوات، وذلك قبل تواجد الإنسان على الأرض - وهذا يعني أن كل هذه الأحداث قد وقعت قبل دخول الخطيئة إلى العالم. إلا أننا نجد أدلة في السجل الأحفوري على أن الحيوانات كانت للتو تفترس بعضها البعض، وهذا يخالف ما يقوله الله بأن جميع الحيوانات التي تتواجد في العالم كانت نباتيّةً قبل دخول الخطيئة. (التكوين ١: ٢٩-٣٠)

إضافةً إلى ما سبق، يتضمن السجل الأحفوري دلائل تشير إلى أنَّ الحيوانات كانت تعاني من الأمراض العضال مثل الأورام الدماغية والسرطان والتهاب المفاصل، في الوقت الذي نجد فيه الكتاب المقدس يقول بأن الله قد رأى أن كلَّ ما عمله كان حسناً جداً؛ إنَّ الأمر المؤكد هو أنه لن يقول عن عدة ملايين من السنوات المليئة بالموت والأمراض وسفك الدماء بأنها حسنة جداً، إذ أنَّه إن فعل ذلك فهو لن يكون إله حسن جداً.

نجد أيضاً أن السجل الأحفوري يتضمن أشواكاً، ومن المفترض بحسب الفكر العلماني أنها تعود إلى عدة ملايين من السنوات، إلا الكتاب المقدس يقول بشكل صريح أن الأشواك قد وُجدت بعدَ اللعنة، أي أنها نتائج اللعنه وبعد أن دخلت الخطيئة إلى العالم؛ هذا السبب في أن المسيح على الصليب قد وضع تاجاً من الأشواك في إشارةٍ إلى حمله لعنة الموت بالنيابة عنا.

إن حاولنا أن نقوم بإقحام السنوات المليونية في الكتاب المقدس فإن الموت سوف يتواجد قبل الخطيئة. وإن كان الأمر كذلك، فإن الموت لا يمكن أن يكون نتيجة الخطيئة أو عقاباً لها؛ وإن لم يكن الموت ثمناً للخطيئة فإن يسوع المسيح لم ولن يكون قادراً على دفع ثمن خطايانا وإتمام خِدْمَة المصالحة، وهذا يعني بأننا جميعاً لا نزال نرزح تحت ثقل خطايانا. بهذا نكون قد دمّرنا أساس الإنجيل، وسواء كان بقصد أم بغير قصد نكون قد جعلنا من الصليب أمراً عديم الجدوى وغير ضروري.

إن الأمور التي وردت أعلاه يجب أن تدفعنا إلى الإهتمام بتفاصيل هذا الموضوع؛ إنَّ القضية ليست مجرد محاولة للفوز في مناظرة أو نقاش حول موضوع ما، القضية أعمق من ذلك إذ أنها ترتبط بالدفاع عن سلطان الكتاب المقدس، وعن البشارة الخلاصية بيسوع المسيح التي نجدها مرتكزةً ومبنيةً على ذلك السلطان.

إن الحمية الغذائية للديناصورات قد تغيرت بعد الطوفان حيث نجد أن الرب الإله يقول لنوح أنه قد سمح الآن بتناول اللحوم. بعد الطوفان نجد أيضاً أن الله قال بأن الخوف من الإنسان سوف يكون على جميع المخلوقات، أي أن الحيوانات بعد الطوفان ابتدأت تجزع من الإنسان.

الطوفان، الفلك والديناصورات

يُطرح في الكثير من الأوساط تساؤلات عما إذا كانت الديناصورات قد انقرضت من خلال الطوفان. على الرغم من أن هذه الفكرة قد تبدو منطقية لدى البعض، وقد تُؤَمِّنُ وسيلةً للتهرب من بعض المشكلات، إلا أنها لا تعكس تعليم الكتاب المقدس.

نقرأ في التكوين ٧: ١٥ ”مِنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ أَقْبَلَتْ إِلَى الْفُلْكِ، وَدَخَلَتْ مَعَ نُوحٍ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ،“ هذا سيتضمن الديناصورات.

وهنا يُطرح تساؤل مُحقّ: هل تواجدت الديناصورات على متن الفلك مع نوح عائلته؟ كيف للفلك أن يتَّسِعَ لكل تلك الحيوانات؟

قبل أن نبتدئ بتقديم إجابة لهذا التساؤل، يتوجب علينا أن نقوم بتحديد وإظهار بعض الأمور الأساسية من خلال طرح سؤالين رئيسين وهما:

أولاً، كم كان حجم الفلك؟

ثانياً، كم هو عدد الحيوانات التي كان من الواجب وضعها على متن الفلك؟

عند التعامل مع هاتين الجزئيّتين، سنجد أن التساؤل الرئيسي الذي يتم طرحه لن يشكّل تحدياً.

ماذا عن حجم الفلك، إن الصورة النمطية التي تتبادر إلى أذهان الكثير من الأشخاص تُقَدِّمُ نسخة عن فلك صغير مُكتظٍّ بالكائنات الحية التي تكاد لا تجد لها موطئ قدم. إلا أنَّ مصدر هذه الصورة هو من القصص المصورة والبرامج الكرتونية وليس من الكتاب المقدس، إن سفر التكوين ينقل لنا صورةً عن فلك يصل طوله إلى ١٥٠م،  وعرضه ٢٥م وارتفاعه يصل إلى حدود ١٥م. وكان يتألف من ثلاث طبقات؛ إنه بنية عملاقة وليس حوض استحمام عائم.

بناءً على القياسات المقدمة فإن الفلك يقدم اعتدالاً في الميزات التي يمكن لأي سفينة نقل أن تمتلكها وهي الراحة، القوة والإتزان.

كانت القدرة التخزينية للفلك تُعادل ما يقرب من سعة ٥٠٠ عربة من عربات السكك الحديدية التي إن تم ربطها بعضها ببعض سنحصل على قطار يتجاوز طوله ثمانية كيلومترات. قد تبدو هذه المعلومات مثيرةً للإعجاب، لكن هل كانت هذه المساحة كافية لوضع جميع تلك الحيوانات؟

إن الكتاب المقدس يقول بأنه قد صَعِدَ إلى الفلك من كل الحيوانات البرية التي في أنفها نسمة حياة - أي أنَّه لم يتم وضع المخلوقات البحرية على متن الفلك. ذلك لأنَّه يوجد الكثير من المياه خارج الفلك، وليس من حاجة لوضع الحيتان أو الدلافين أو أي مخلوق بحري آخر.

لا بد من أن يتم التنبه إلى أن نوح أصعد اثنين من كل جنس وليس من كل نوع! الجنس هنا يكافئ ما يعرف وفق التصنيف الإحيائي المعاصر بالفصيلة.

يمكننا أن نقوم بتبسيط الأمر بالشكل التالي: إن نوح لم يأخذ على متن الفلك ٤٠٠ زوج من أنواع الكلاب المعروفة في وقتنا الراهن على متن الفلك، لقد أصعد اثنان من جنس الكلاب واثنان من جنس القطط واثنان من كل جنس آخر.

قد يتساءل البعض قائلين: ”ألا يوجد الكثير من أنواع الديناصورات التي قد يصل عددها إلى الآلاف؟

إن حال الديناصورات يتشابه مع حال جنس الكلاب أو الأحصنة، فالديناصورات التي تتبع رتبه قرنيات الوجه تشتمل على العديد من الأنواع لكن نوح لن يحتاج أن يأخذ زوجاً من كل نوع، بل زوج واحد من النوع الرئيسي.

إن الديناصورات التي تتبع رتبة الصوربوديات هي الأُخرى تمتلك تنوعاً كبيراً إلا أنَّ نوح لم يكن بحاجة لإصعاد اثنين من كل نوع منها. في المجمل إن الديناصورات تصنف ضمن ٦٠-٨٠ جنس مختلفاً، أي أنها ليست كثيرة للغاية.

إنَّ التساؤل الذي يدور في ذهن العديد من الأشخاص هو أنَّه وعلى الرغم من العدد القليل لأجناس الديناصورات، ألن يتسبب حجمها بمشكلة لنوح والفلك؟ ماذا عن أرجنتيناصوروس، هل تم وضع هذا العملاق على متن الفلك؟

إن هذا التساؤل يعكس سوء فهم شائع، إذ أن الديناصورات بالمتوسط هي بحجم بقرة بالغة أو ثور ضخم البنية والبعض منها لا يتجاوز حجمه حجم الدجاجة. الأمر المميز هو معرفتنا بأن جميع الديناصورات تبدأ صغيرة بالحجم - الجميع - وذلك لأنها تفقس من البيض. أكبر حجم يمكن أن تصل إليه البيضة يقارب من حجم كرة القدم، ذلك لأن تعاظم حجم البيضة سيعني تعاظم سماكة قشرتها لكي تكون قادرة على دعم وزنها. لا يُمكن للقشرة أن تكون سميكة جداً لأن المخلوق لن يستطيع أن يحصل على الاوكسجين اللازم للبقاء على قيد الحياة. هذا يعني بأن جميع الديناصورات بمختلف أنواعها تبدأ حياتها بحجم يقرب من حجم كرة القدم.

إن الأمر ليس غريباً، وذلك أننا نجد شيئاً يشبه ذلك في يومنا الراهن. التماسيح حين تفقس من البيض تكون صغيرة للغاية بحيث أنه يمكن أن يتم حملها باليد. إلا أنها وخلال بضعة سنوات تنمو لتصل إلى حجم يسمح لها بالتهام انسان بالغ.

لا بد لنا من الإشارة إلى أن الرب الإله هو من أرسل الحيوانات إلى نوح، ومن المؤكد أن الرب الإله يعرف بأنه ليس من المطلوب إحضار أكبر الحيوانات. من المنطقي أن نستنتج بأن الرب قد أحضر إلى نوح الحيوانات اليافعة. أوضح وأبرز الأسباب أنها صغيرة الحجم ولا تحتاج إلى الكثير من المساحة. إضافةً إلى أن الحيوانات اليافعة تستهلك كمية أقل من الطعام، وتنتج كمية أقل من الفضلات التي كان على نوح وعائلته التعامل معها. كذلك فإنَّ التعامل مع الحيوانات اليافعة منها أسهل، وذلك لكونها أقل عدائيةً من البالغة بين أترابها. إضافةً إلى ذلك، إنَّ الحيوانات اليافعة عادةً تمتلك دورة حياة أطول بحيث تتمكن من انتاج نسل أكثر، وهي تتمتع بالقوة والقدرة على البقاء على قيد الحياة أكثر من الحيوانات البالغة وذلك كونها تتمتع بالمرونة التي تتشابه مع المرونة التي يتمتع بها الأطفال أثناء النمو.

ماذا عن القسم الثاني من السؤال: كم كان العدد الإجمالي للحيوانات؟

يوجد الكثير من الدراسات التفصيلية التي تتواجد من خلال المواقع الإلكترونية التي تدافع عن الخلق التوراتي، إضافةً إلى الدراسة أجراها جون وودموراب في كتابه (طوفان نُوح: دراسة جدوى)، وهي تشير إلى أنَّ العدد الأقصى - الذي لابد من أن يتواجد على متن الفلك ليكون قادراً على تقديم تفسير لجميع الأنواع المتواجدة في يومنا الراهن وتلك التي تتواجد في السجل الأحفوري - هي نحو ١٤٠٠ جنس من أجناس الحيوانات، التي يجب أن يتم أخذ زوج من بعضها وسبعة أزواج من بعضها الآخر. في المجمل، يُمكِن القول بأن العدد الإجمالي للحيوانات التي يحتاج نوح إلى تواجدها على متن الفلك كان بحدود ٦٧٥٨ حيوان. وهو عدد يمكن أن يتواجد على متن الفلك العملاق الذي بناه نوح بكل سهولة.

إنَّ الكتاب المقدس يُعلِمُنا أنه في اليوم الذي دخلت فيه جميع الحيوانات ونوح وعائلته انْفَجَرَتْ كُلُّ يَنَابِيعِ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، وَانْفَتَحَتْ طَاقَاتُ السَّمَاءِ. وَكَانَ الْمَطَرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً (تكوين ٧: ١١-١٢). إن أحداث الطوفان الكارثية قد تضمنت الكثير من الأمواج المدية العملاقة، والهزات الأرضية الناتجة عن حركة الصفائح التكتونية. كانت النتيجة هي ان الله قد محا عن وجه الأرض كل قائمٍ عمله كما سبق وقال لنوح. يمكننا نعاين أثر ذلك في السجل الأحفوري الذي يحتوي على مليارات الكائنات المتحجرة والمتموضعة في طبقات صخرية نتجت تحت تأثير الطوفان. إن مدى هذا السجل الأحفوري يمتد إلى جميع أنحاء العالم، وهذا ما سوف نتوقع وجوده. وهو يتوافق مع التوقعات الناجمة عن الأحداث التوراتية بطريقة أفضل من توافقه مع التوقعات العلمانية.

الدلائل على حداثة عهد الديناصورات

بعد أن تمّ تقديم المجموعة السابقة من الحُجَج، يظهر سؤال يُطرح وفق إحدى الصيغ التالية:

ما هي الدلائل التي تدعم وجود الديناصورات في فترات قريبة زمنياً؟

أو، إن كانت الديناصورات موجودة بالفعل في الفترة التي تَبِعَت الطوفان - أي منذ ما يقرب من ٤٤٠٠ سنة - أليس من المنطقي أن نعثر أدلة مخبرية وتاريخية تدعم هذه الإدعاءات؟

إن الأدلة المخبرية التي تدعم حداثة عهد الديناصورات كثيرة للغاية، لقد عثر العلماء على أنسجة مرنة في مستحاثات لديناصورات من فصيلة بَطِّيات المنقار (Hadrosaurids) وهي التي يفترض انقراضها منذ ما يقرب من ٧٨ مليون سنة. إضافةً إلى ذلك، تمَّ العثور أوعية دموية مرنة في  بقايا متحجرة لديناصورات من رتبة قرنيات الوجه والتي يفترض أنها تعود إلى ٦٥ مليون سنة. بالإضافة إلى ما سبق، فإنه قد تمَّ العثور على خلايا دموية في بقايا متحجرة لديناصور التي ريكس (T-Rex). ويوجد الكثير من الأمثلة المشابهة.

إن هذه البقايا، سواء كانت الأنسجة المرنة أو الأوعية الدموية والخلايا الدموية وما شابه ذلك من بقايا تتكون بشكل أساس من الماء، وإنَّه لمن غير الممكن أن تحافظ على مرونتها لمدة تتجاوز عدة مئات من السنوات بعد موت الكائن. هذه المدة قد تصل إلى بضعة آلاف معدودة في حال وجود ظروف خاصة مثل ظروف الطوفان، لكن لا يمكن لها أن تحافظ على مرونتها لمدة تصل إلى عدة ملايين من السنوات أياً تكن الظروف.

إنَّ هذه الدلائل تقدم تأكيداً صارخاً للإطار الزمني الذي يضعه الكتاب المقدس والممتد لعدة آلاف من السنوات.

على الرغم من أنَّ هذه الأدلة تقدم دليلاً قوياً جداً على صحة التاريخ التوراتي، ويجب أن تكون كافية لاقناع الأشخاص لكي يقوموا بإعادة تقييم رؤيتهم العلمانية للعالم، إلا أن الواقع يُظهر لنا أن الكثيرين منهم يرفضون هذه الدلائل ويتجاهلونها. إن الإختلاف ليس مجرّد اختلاف أكاديميّ، بل هو اختلاف عقائدي يرتبط بالإيمان الذي يتمّ تبنيه. يظهر هذا الأمر من خلال المقابلة التي تم اجراؤها مع الدكتورة ماري شوايتزر - التي عثرت على الأنسجة الطرية (الرخوة) في البقايا المتحجرة للديناصور - حيث أنها اختتمت باستنتاج يفيد بضرورة وجود آلية كيميائية غير معروفة وقادرة على حفظ الأنسجة الرخوة لعدة ملايين من السنوات. إن الدكتورة شوايتزر تقدم لنا نموذجاً يُظهر تأثير الرؤية العلمانية التطورية على طريقة تفسير الأدلة بالإعتماد على الإفتراضات المسبقة التي يتم تبنيها.

لكن ماذا عن الأدلة التاريخية المكتوبة؟ إن كانت الديناصورات قد وُجِدَت بالفعل منذ فترة ليست ببعيدة، ألا يجب أن نجد آثاراً مكتوبة تركها البشر وتفيد بأنهم قد عيانوا الديناصورات؟

إنَّ البشر بالفعل قد سبق وفعلوا كلّ هذه الأمور، لقد كتبوا عن الديناصورات ورسموها. إن كلمة ”ديناصور“ هي كلمة حديثة العهد (كما سبق وأظهرنا). لذلك فإننا نجد هذه المخلوقات مذكورة في جميع الحضارات تقريباً، إلا أنها قد عُرِفَ تحت مُسمَّى آخر وهو ”تنين“ (Dragon).

إن القصص المرتبطة بالتنانين منتشرة حول العالم وفي مختلف الثقافات، وعلى الرغم من أنه يوجد في البعض منها خرافات ومبالغات فاضحة، إلا أننا نجد أن العلماء العلمانيين الذين يعترفون بأهمية هذا الأمر، يُحالون دحض وجود الإرتباط بين هذه القصص وبين المعاينات وذلك من خلال استخدام الرؤية التطورية للعالم. إلا أنَّهم على الأقل يعترفون بوجود هذا التاريخ المتشابه بين الحضارات المختلفة.

وههنا البعض من الأمثلة المشهورة:

١- قصة القديس جاورجيوس والتنين التي تعود إلى العام ٢٧٥م. تقدم وصفاً يتوافق إلى حد كبير جداً مع ديناصور يعرف باسم باريونكس أو الديناصور ثقيل المخلب.

٢- مدينة نيرلوك الفرنسية قد تمت تسميتها على اسم ”تنين“ قد قُتِلَ هناك. وقد وُصِف على أنِّه أكبر من الثور ويمتلك قرون حادة طويلة على رأسه. وهذا الوصف يتشابه مع الديناصورات من رتبة قرنيات الوجه.

٣- ماركو بولو: الرجل الذي يمكن وصفه بأن ينتمي إلى التاريخ الحديث وقد عاش في الصين في القرن الثالث عشر (حوالي العام ١٢٧١) لمدة ١٧ عاماً، كان قد ترك تسجيلات تفيد بأن الإمبراطور الصيني كان قد قام بتربية تنانين لكي تقوم بجرّ عربته في الإستعراضات والإحتفالات.

٤- أرستوتلس وهيرودوتس قد سجلا بأنهما قد شاهدا تنانين طائرة، هيرودوتس في كتابه الثاني سجل معاينته للأفاعي المجنحة التي قال بأنها تهاجر من العربية إلى مصر كما وقال بأنها تشبه أفاعي المياه وأن أجنحتها لم تكن من ريش إنما كانت تشبه الجلد أي مثل أجنحة الخفاش.

نجد أيضاً رسوم ونقوش حول العالم تظهر بشراً تتواجد مع ديناصورات.

١- يظهر على قطعة مصرية أثرية زوجاً من التنانين أو الديناصورات ذات الأعناق الطويلة.

٢- نجد أيضاً زوجاً من الديناصورات ذات الأعناق الطويلة على قطعة من الفسيفساء الرومانية التي تعود إلى القرن الثاني.

٣- في شمال إنجتلرا نجد في كاتدرائية كارلايل نجد ضريح الأسقف ريتشارد بيل الذي توفي في ١٤٩٦. ويوجد على محيط هذا الضريح نقوش لحيوانات ومن بين الحيوانات المنقوشة نجد ما يشبه الديناصورات ذات الأعناق الطويلة.

٤- يوجد نقوش موضوعة على بوابة أحد المعابد الأثرية في كمبوديا يُظهر رسماً لما يُمكن أن يتم وصفه بأنَّه ديناصور من نوع ستيغوصوروس الذي يمتلك حراشف ظهرية. إن المعبد قد بُني منذ ما يقرب من ١١٠٠ سنة.

٥- في ولاية كولورادو الأمريكية نجد نقشاً يصور ما يمكن تشبيهه بديناصور من رتبة  قرنيات الوجه.

٦- في ولاية يوتا الأمريكية نجد نقشاً جدارياً يبدو بوضوح أنه ديناصور من رتبة الصوروبوديّات. حيث نجد الذيل الطويل والعنق الطويل والأرجل الأربعة واضحة بشكل جلي.

٧- أيضاً نجد ديناصوراً من رتبة التيروصوريات المجنحة حيث نجد ملامح مميزة مثل المنقار الكبير والأجنحة.

٨- كذلك يوجد رسم من السكان الأصليين الأستراليين لمخلوق يطلق عليه السكان الأصليون لقب ”ياررو“ ويقال بأنه كان مخلوق متوحش، وفي الرسم يظهر عدد من السكان الأصلين الذين يقاتلون هذا المخلوق الذي افترس أحد أصدقائهم الذي يحاولون أن يسترجعوه. هذا المخلوق يشبه إلى حد كبير مع البيليصور.

يوجد الكثير من الأمثلة التي يمكننا أن نقوم بسردها، وهي ليست بأمثلة خفية على أنصار التطور والمدافعين عنه. لقد شعر هؤلاء بحاجتهم لتقديم تبرير يفسر وجود مثل هذه الرسومات والنقوش، وقد حاولوا بالفعل القيام بذلك.

كان كارل ساغن، وهو كاتب ومؤلف وعالم متخصص في الفلك وعلم الكونيات، هو من الشخصيات المشهورة في الولايات المتحدة ويتمتع بذكاء متقد وهو مؤمن بالتطور، قد عرف عن وجود هذه الأساطير المتواترة والمتواجدة حول العالم والتي تشير إلى وجود الإنسان مع الديناصور بطريقة أو بأُخرى. إلا أنَّ هذا الأمر لا يمكن أن يكون صحيحاً وفق المنظور التطوري. لذلك فإنه قد حاول تفسير وجود هذه الأساطير أو الروايات التي تتحدث بطريقة ما عن وجود الإنسان مع الديناصورات. وقد حاول أن يقوم بتقديم حل لتلك المعضلة من خلال كتاب يحمل اسم تنانين جنة عدن.

قام بتقديم الفرضية التالي: ”نحن نعرف بأن التطور صحيح، فإن كان الإنسان قد تطور من إحدى الثديات الصغيرة منذ بضعة ملايين من السنوات التي مضت، وبأن تلك الثديات التي تشكل سلفاً مشتركاً لنا كبشر كانت قد عاشت مع الديناصورات منذ بضعة ملايين من السنوات، وبأن الديناصورات كانت كبيرة للغاية ومرعبة لدرجة أن الذكريات عن الديناصورات قد وجدت طريقها لكي تتثبت في دماغ أسلافنا من تلك الثديات الصغيرة. ومن ثمَّ ابتدأت بالتطور الهرمي وقد انتقلت تلك الذكريات عبر الأسلاف إلى أن وصلت إلى بعض من البشر الذين امتلكوا أجزاء من تلك الذكريات والذين بدورهم قد ابتدأوا يسترجعون تلك الذكريات من خلال الأحلام والتخيلات التي ابتدأت تراودهم؛ فكانوا يستيقظون من النوم ليبدأوا بكتابة أو رسم صور تلك الأمور التي حلموا بها والتي ليست إلا ذكريات متوارثة عن أسلافهم من الثديات التي عاصرت الديناصورات. وبهذه الطريقة حصلنا على جميع هذه الأساطير والروايات التي تتعلق بالتنانين، والتي تشير إلى أن الإنسان قد عاش مع الديناصورات.“

إن صاحب هذه الفرضية هو شخص متقد الذكاء وبارع جداً في العديد من المجالات، إلا أنَّه كان قد اعتمد على الإفتراضات التطورية الخاطئة  ووصل من خلالها إلى استنتاجات من هذا النوع! إن جودة الإستنتاجات التي نصل إليها تعتمد بشكل مباشرة على جودة الإفتراضات المسبقة التي نقوم بتبنّيها، خاصة حين يتعلق الأمر بالأشياء غير المنظورة.  إن الكتاب المقدس يقدم تفسيراً أفضل وأوضح ومنطقي أكثر.

قد يتساءل البعض في هذا الموضع: ”حسناً، إن هذا يبدو منطقياً، لكن ماذا حلَّ بجميع تلك المخلوقات؟“ إن الإجابة على هذا السؤال ليست على أيّ درجة من الصعوبة: ”لقد ماتت!“

من المؤكد أن التساؤل التالي سيكون: كيف؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال بحسب الكتاب المقدس، فلنقم بالبحث في بعض الإجابات التي قدمها التطوريّون لتبرير سبب انقراض الديناصورات.

١- قام العديد من الأشخاص بتقديم اقتراحات تفيد أن بعض الديناصورات قد تطورت إلى طيور. وعلى الرغم من أننا لن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع في هذه الدراسة، إلا أنه أمر مستحيل من الناحية العلمية سواء كان من منظور علم الأحياء أو منظور علم الوراثة، فالطفرات الوراثية والإنتقاء الطبيعي عاجِزَيْن عن اضافة معلومات خلّاقة إلى المجمع الجيني عبر الزمن، إذ يتوجب إضافة كم هائل من المعلومات الوراثية إلى المُجَمَّعِ الجيني لكي يكون من الممكن أن تتطور الديناصورات إلى طيور؛ إن هذا الأمر مستحيل علمياً.

٢- يوجد اقتراح مشهور ومتداول بأن نيزكاً من نوعٍ ما قد اصطدم بكوكب الأرض وتسبب بموت جميع الديناصورات الكبيرة والصغيرة ولكنَّه، بطريقة ما، أبقى على أشكال الحياة الأُخرى.

٣- البعض اقترح بأنها عجزت عن التأقلم مع التغيرات المناخية.

٤- البعض الآخر اقترح بأنها قد أصدرت غازات قد تسبب بانقراضها؛ هذا الأمر ليس مجرد فكاهة إنما هو اقتراح مقدم من مجموعة من العلماء البريطانيين وقد تمَّ نشره على فوكس نيوز. وفقاً لهذه النظرية فإن الديناصورات قد غيرت حميتها الغذائية أو أنها فقدت مصدر طعامها لسبب من الأسباب، كانت نتيجة هذا التغير في العادات الغذائية أنها ابتدأت تصدر الغازات التي تحتوي على غاز الميثان مما تسبب برفع درجة الحرارة وهذا تسبب بانقراض الديناصورات.

٥- البعض الآخر اقترح بأن الديناصورات قد عانت من السمنة المفرطة نتيجة توفر مصادر غذائية فائضة، في حين اقترح البعض الآخر بأنها قد انقرضت نتيجة الجوع، أو نتيجة حدوث كوارث طبيعية.

بعيداً عن هذه الإقتراحات التي يمكن وسم الغالب منها بالعبثية أو الفكاهية، فلننظر بعقلانية إلى ما يمكن أن يكون قد أصاب الديناصورات وتسبب بانقراضها. من المؤكد أن الديناصورات قد واجهت الكثير من التحديات في فترة ما بعد الطوفان، إلا أنَّه يوجد مشكلتان رئيسيتان ربما واجهتا الديناصورات في فترة ما بعد الطوفان.

الإحتمال الأول هو أن التغير المناخي الذي حدث في فترة ما بعد الطوفان، ونحن هنا لا نتحدث عن الفكرة المعاصرة التي تقول بأن الإنسان قد تسبب بتغير المناخ، إنما نحن نتحدث عن الرب الذي قال بأنه سوف يُهلك كلَّ البشر مع الأرض، فيما عدا اولئك الذي حُفظوا على متن الفُلك. من المؤكد أن الأرض التي نعيش عليها ليس إلا باحة خردوات إذا ما قمنا بمقارنتها مع الحالة التي كانت عليها قبل الطوفان، ويمكننا أن نقوم بهذه المقارنة من خلال النظر إلى معدل أعمار الأشخاص في فترة ما قبل الطوفان حيث أنهم قد وصلوا إلى عمر ٩١٢ سنة لكن بعد الطوفان انخفض ذلك المعدل بشكل تدريجي إلى ٤٠٠ ثم ٢٠٠ ثم ١٠٠. قد يتواجد الكثير من الأشياء المرتبطة بهذا الامر سواء كان من حيث نوعية الطعام، والبيئة التي تغيرت فيما بين العالم الذي وصفه الرب الإله بأنه حسن جداً وبين العالم الذي بعد الطوفان.

الإحتمال الثاني وهو يحمل تحدياً أكبر من التحدي الأول؛ ألا وهو أن البشر كانوا يصطادون الديناصورات في فترة بعد الطوفان.

قد يتساءل البعض: هل تناول البشر لحوم الديناصورات؟ نعم، فالرب قد قال لنوح بأن خشيتهم ورهبتهم ستكون على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء…  أي أن الحيوانات التي تَنْظُرَهُم إما سوف تهرب منهم أو أنها سوف تهاجمهم.

فلنقم بتخيل هذا السيناريو المحتمل!

في فترة بعد الطوفان وبعد أن بلبل الرب الألسنة في بابل، إن كنتم كمجموعة سكانية تحاولون الإستيطان في منطقة ما، وقد صادفتم قطيعاً من الحيوانات البرية العدائية سواء كانت من النمور أو الذئاب أو حتى الديناصورات مثل ديناصورات التي ريكس (T-Rex) أو سواها. إن العمل الأكيد هو أنكم سوف تحاولون القضاء على مصدر التهديد، وذلك بنيّة الدفاع عن المجموعة والعائلة، وهذا الأمر مشابه لما يحدث في يومنا الراهن.

يوجد في الحقيقة أسباب عديدة تدفع بالبشر لاصطياد الديناصورات؛ فهم قد يقومون بذلك من أجل لحومها، أو لأنها كانت تشكل تهديداً من نوع ما، مثل تدمير المحاصيل. أو بدافع البطولة كما في حالة حماية القرية أو القبيلة من التنين، أو لاثبات التفوُّق، أو لأنها كانت تنافس الإنسان أو تشاركه في الأرض. إن هذه الأسباب هي ذاتها الأسباب التي تتسبب بانقراض الكثير من الحيوانات في يومنا الراهن.

إن جميع هذه الأمور هي منطقية ومترابطة وخاصةً عندما يتم الإستناد إلى الوحي المقدس في كلمة الله (أي الكتاب المقدس) وهو الذي ينقل لنا التاريخ الحقيقي الذي رواه ودوَّنَه شهود العيان.

الخاتمة

إن الديناصورات يمكن أن تكون أداة تبشيرية وتُدعَى من قِبَلِ البَعْض بالعضَّاءات التبشيرية وذلك لأسباب عديدة:

١- حين يتم الوصول إلى فهم سليم لهذه المخلوقات، يتم تدعيم وتحقيق مفهوم مهم وحيوي جداً في حياتنا المسيحية ألا وهو مصداقية الكتاب المقدس بكامله، وبالتالي فإنه يمكن الوثوق بالخلاص والعهود الإلهية التي ترد فيه.

٢- إن الديناصورات تُذكرنا بالموت وذلك لأنها قد انقرضت. وفقا للكتاب المقدس فإن الموت قد حدث نتيجة للخطيئة، والكتاب المقدس يقول لنا بأن أُجرة الخطيئة هي موت، وبأن الجميع أخطأوا وأَعوَزهم مجد الله. وهذه الرسالة هي الرسالة التي تحتاجها حضارتنا المعاصرة.

٣- إن سألت أي شخص معاصر عما إذا كان يعتقد بأنه شخص سيء، فإنه من الغالب أن اجابته ستكون: ”أنا لست شخصاً سيئاً، فأنا لست مجرماً مثل هتلر وأنا أحاول أن أساعد الآخرين بقدر الإمكان، وعلى الرغم من أنني أرتكب الأخطاء إلا أنني أعتقد بأنني شخص جيد.“ لكن وفقاً للكتاب المقدس، فإنك إن أردت أن تدخل الحياة الأبدية فإنه يجب أن تعيش وفقاً لمعايير الله التي هي مثالية وتطلب الكمال.

الله كامل وقدّوس ولا يساوم على الخطيئة ولا يقبل بها، وبالتالي فإن أردت أن تدخل إلى الفردوس فإنه يجب أن تكون كاملاً في جميع طرقك طول حياتك.

يمكن اعادة صياغة هذا الأمر بطريقة أُخرى: وفقاً للكتاب المقدس، فإنك إن قمت بالكذب ولو لمرة واحدة فإن مصيرك هو العذاب الأبدي. إن سرقت مرة واحدة فإن مصيرك هو العذاب الأبدي، وكذلك الشهوة أو الزنى أو استعمال اسمه القدوس باطلاً ولو لمرة واحدة فإن المصير هو العذاب الأبدي، ولكن الأمور تسوء أكثر فأكثر وذلك وفقاً للكتاب المقدس إن الله لا يرى أعمالنا فقط إنما يرى قلوبنا أيضاً. فهو يفحص أفكارنا إلى أعماق النفس. و هو يطلب أيضاً أن تكون أفكارنا ونوايانا كلها كاملة ومثالية أيضاً. كل لحظات حياتك يجب أن تخلو من أي فكر شهواني باطل.

الكمال في كل حياتنا هو المعيار الإلهي للدخول إلى فردوسه الأبدي. وأي شخص صادق سيعترف بأنه عدا عن يسوع المسيح - الإله المتجسد - لا يوجد أي شخص قادر على القيام بذلك. حين نقرأ الوحي المقدس نجد أن الجميع قد أخطأوا والجميع يحتاجون مجد الله - كل شخص منا. وهذه هي الأخبار السيئة بأننا جميعنا خطاة وينقلها لنا الكتاب المقدس ابتداءً من سفر التكوين. ولهذا السبب فإن البشرى السارة هي سارّة جداً وجميلة جداً. وهي أننا وبعد خطاة قد مات المسيح لأجلنا الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ وكما نقرأ في رومية ١٠: ٩ ”أَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِيَسُوعَ رَبّاً، وَآمَنْتَ فِي قَلْبِكَ بِأَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، نِلْتَ الْخَلاصَ.“

إن هذه هي البشارة الخلاصية بالمسيح يسوع وهي سبب رجاءنا.

هل تعرف ما هو الإنجيل؟ اقرأ أكثر


مواضيع أخرى