مغالطة التماس السؤال

مغالطة التماس السؤال

Cover Image for: beggingthequestion

تُعرَف هذه المغالطة بأسماء مختلفة منها (توسّل المطلوب أو التهرّب من المشكلة) كما وتُعرف في اللغة الإنجليزية بإسم Begging the Question fallacy تحدث هذه المغالطة حين يكون الإستنتاج من الجدل هو نسخة مكررة لأحد الإفتراضات التي اعتمد عليها - أو حين تكون حقيقة الفرض تعتمد على حقيقة الإستنتاج. وتُعرَفْ إيضاً تحت مُسمَّى المنطق الدائري.

مغالطة التماس السؤال

بعضُ الأمثلةِ تكونُ واضحةً كما في الجَدَل القائل:

”إن التطورَ لاَّبد أن يكونَ صحيحاً ـ إذ أنَّ التطورَ هو حقيقةٌ مثبتةٌ.“ لكن الشائع هو أن تكونَ المغالطةُ خفيّةً أو غيرَ مباشرةٍ.

لذلك فلننطلق إلى بعضِ الأمثلة عن هذه المغالطة.

يقول أحَّدُ المؤمنين بالتطور مجادلاً:

إنَّ الكتابَ المُقدَّسَ لا يمكنُ أن يكونَ صحيحاً، وذلك لأنه يحتوي على مُعجزات، والمعجزاتُ هيَ انتهاكٌ لقوانينِ الطبيعة!

في الحقيقة إنَّ المعجزاتَ قد تنطوي على إيقافٍ مؤقَّتٍ لقوانينِ الطبيعة (لكن هذا لا يعني أن جميع المعجزات تتطلب ذلك.) والكتابَ المقدسَ يعلنُ وبوضوحٍ أنَّ اللهَ ليسَ خاضعاً لقوانينِ الطبيعةِ. وبالتالي فإنَّهُ قادرٌ على إيقافها في حال أرادَ ذلك.

لكن الشخص الذي يُقدِّمُ هذا النوعَ من الجدلَ يتبنى بشكلٍ مسبق الإعتقادَ بأنَّه منَ المستحيلِ أن يتمَّ إنتهاكُ قوانينِ الطبيعةِ. أي أنَّ المُجادِلَ قدْ افترضَ بشكلٍ مسبق بأنَّ الكتابَ المُقدَّسَ خاطئٌ - وذلكَ في سبيلِ أن يجادلَ بأنَّ الكتابَ المُقدَّسِ خاطئٌ. وهكذا يكونُ المجادل قد ارتكبَ مغالطةَ التماسِ السؤالِ وجادل باستخدام منطقٍ دائريّ.

يقول آخر:

إنَّ الكتابَ المقدَّسَ لاَّبد أن يكونَ خاطئاً، لأنَّهُ يُعلَّمُ بأنَّ الأرضَ تعودُ إلى ستةِ آلافِ سنةٍ فقطْ، ولكنَّنا نعرفُ أنَّ الأرضَ تعودُ إلى الملايينِ من السنوات.

إن هذا الجدلَ يستعملُ مغالطةَ التماسِ السؤالِ. وإليكَم التفسير.

إن الجدل المؤيد لقدم عمر الأرض هو جدلٌ مبنيٌّ على افتراضٍ مُسبق للمذهبِ الطبيعيّ (أي أنَّهُ لا يوجدُ سوى الطبيعة)، بالإضافةِ إلى نسبةٍ كبيرةٍ من مذهبِ الوتيرةِ الواحدةِ (أي أنَّ المُعدَّلاتَ الحاليَّةَ للعملياتِ والمعالجات الأرضية هي ذاتُ المعدَّلاتِ التي كانت في الماضي.) ثمَّ بعد ذلكَ ومن خلالِ تعميمِ القراءاتِ لمختلفِ العملياتِ الأرضيَّةِ، يقومُ الشخصُ برسمِ استنتاجاتٍ تُفضي إلى توقعِ الزمنِ اللازمِ لتشكُّلِ أو انهيار بعضِ السِّماتِ الجيولوجية المعيّنةِ أو توقعِ المدةِ التي تستغرقُهَا النظائرُ المُشعَّةُ لتتحلّلَ.

لكنَّ الكتابَ المقدسَّ يُنكرُ المذهبَ الطبيعيَّ وينكر مذهبَ الوتيرةِ الواحدةِ (على سبيلِ المثال لا الحصر: إنَّ معدلاتَ الحتِّ التي حدثت أثناء الطوفان العالمي ليست ذات المعدلات الحالية!). وبالتالي فإنه من خلالِ افتراضِ المذهبِ الطبيعيّ ومذهبِ الوتيرةِ الواحدةِ يكون المُجادِلُ قدْ افترضَ أنَّ الكتابَ المُقدَّسَ خاطئٌ. ومن ثمَّ رسمَ استنتاجاً بأنَّ الكتابَ المُقدَّسَ خاطئٌ. فيكونُ المجادل قد قام بالتماس المطلوب.

وللأسف الشديد فإننا قد نجدُ البعض من المسيحيّينَ في بعضِ الأحيانِ يسقطون في فخّ مغالطةِ التماسِ السؤال. مثل الجدل التالي: ”(أ) الكتابُ المُقدَّسُ هو كلمةُ اللهِ لأنَّهُ يقولُ ذلكَ. (ب) إنَّ ما يقولُهُ الكتابُ المقدَّسُ يجبُ أن يكونَ صحيحاً ذلكَ لأنه كلمة الله والله لا يكذب.“ لاحظ أنَّ التصريحان المُقدَّمان هما تصريحان صحيحان؛ إلا أن هذا الجدل هو جدل خاطئ لأنه يعتمدُ على التماسِ السؤالِ. فإنه أمرٌ مُتَّسِقُ تماماً أن يتمَ افتراضُ كلٍّ من الفرضين السابقين لكننا لا نستطيعُ أنْ نقومَ ببساطةٍ استخدامَ الواحدِ منها لاثباتِ الآخرَ. فالكتابُ المُقدَّسُ يعلنُ بأنَّه كلمةُ اللهِ في رسالة تيموثاوس الثانية ٣: ١٦؛ وفي الرسالة الى رومية ١٠: ١٧)، وأنَّ الله لا يَكذبُ (في الرسالة إلى تيطس ١: ٢). لكن حينَ يتمُّ استخدامُ واحدٍ منْ هذين التصريحين كقاعدةٍ لإثباتِ الآخرَ فإن ذلكَ ارتكابٌ لمغالطةِ التماسِ السؤالِ.

أما الآن فإن الوقت قد حان لكي نغوصَ قليلاً في الفلسفةِ. فإنَّ مغالطةَ التماسِ السؤالِ هي مغالطةٌ غريبةٌ وذلكَ لأنها بحسب التعريف تُعتَبرُ جدلاً صالحاً. يجب أن نتذكَّر أنَّ الجدل الصالح هو الجدل الذي يكون فيه الإستنتاج يتبع الفرض. أما المغالطات فهي باطلة؛ أي أنَّ حقيقةَ كونِ استنتاجاتها لا تتبعُ الفرضيات هيَ ما يجعلُ منها مغالطات. لكن وبشكلٍ شاذٍّ، فإننا نجد في مغالطةِ التماسِ السؤالِ أنَّ الإستنتاجَ يتبعُ الفرضَ (لأنَّه وبكلِّ بساطةٍ تَكرارٌ للتصريحِ  المُعلَنِ في الفرضِ ولكنْ باستخدامِ كلماتٍ وتعابيرَ مُختفلة). أي أنَّ الجدلَ القائلَ ”إنَّ التطورَ لا بدَّ أن يكونَ صحيحاً، لأنَّ التطورَ حقيقةٌ.“ هو جدلٌ صالحٌ. لكن إن كانَ جدلاً صالحاً فيكفَ يُعتَبَرُ في الوقتِ عينِهِ مغالطةً؟ الإجابةُ هيَ أنَّ التماسَ السؤالِ هوَ مغالطةٌ نتيجةً لكونِهِ تعسّفيٌّ واعتباطيٌّ.

فالمنطقُ الدائريّ من هذا النوعِ لا فائدة منه لأنَّ أيَّ شخصٍ يُنكِرُ الإستنتاجَ فهوَ يُنكِرُ الفرضَ أيضاً (على اعتبارِ أنَّ الفرضَ والإستنتاجَ هُما التصريح عينه). وبالتالي فإنَّ الجدلَ السابقَ عينَهُ ”التطورُ لا بدَّ أن يكونَ صحيحاً، لأن التطورَ حقيقةٌ“، وبالرَّغمِ من كونِهِ جدلٌ صالحٌ إلا أنَّهُ مغالطةٌ وذلكَ بسببِ تعسُّفِهِ واعتباطيَّتِهِ حيثُ أنَّهُ مُجَرَّدُ افتراضٍ لما يُحاوِلُ المُجادِلُ اثباتَهُ.

إنَّ الإفتراضاتَ التعسُّفيَّةَ يجب ألّا تستخدمَ في التفكيرِ المنطقيِّ أو في الجدلات المنطقية وذلك لأنَّهُ يمكِنُنَا أن نقومَ بافتراضِ النقيضِ بشكلٍ مماثلٍ. وسيكونُ الأمرُ مشابهاً لجدالنا ”إنَّ التطورَ لا يُمكنُ أن يكونَ صحيحاً ذلكَ لأنَّهُ خاطئٌ“.

تجدرُ الإشارةُ إلى وجودِ بعضِ الحالاتِ الخاصّةِ حينَ يكونُ المنطقُ الدائريُّ حتمياً وغيرَ خاطئٍ. على اعتبار أنَّ التماسَ السؤالِ هو جدلٌ صالحٌ ولكنَّه يعتبرُ مغالطةً نتيجةً لتعسُّفِهِ،  وبالتالي فإنَّه يجب علينا أن ننظر في الحالات التي لا يكون فيها الأمر تعسّفياً. إذ يوجدُ بعضُ الحالاتِ التي يتوجب فيها أن يتمَّ افتراضُ الإستنتاجِ في البدايةِ من قِبَلِ أحَّدِ الأطرافِ المشاركينَ في المناظرةِ أو الجدلِ. كما في المثال التالي:

  1. دونَ وجودِ قوانينِ المنطقِ لنْ يكونَ منَ الممكنِ أن نقدّمَ جدلاً صالحاً.
  2. نحنُ قادرونَ على تقديمِ جدلٍ صالحٍ.
  3. وبالتالي لا بدَّ من وجودِ قوانينٍ للمنطقِ.

إنَّ هذا الجدَلَ معقولٌ بشكلٍ كاملٍ، وصالحٌ، لكنَّهُ دائريٌّ أيضاً وبشكلٍ ملحوظٍ، حيثُ أنَّه يستخدم قانوناً من قوانينِ المنطقِ يدعى ”قابليَّةَ الدَّحضِ“ وذلك في سبيل إثبات وجود قوانينِ المنطقِ. وبالتالي فإننا افترضنا بشكلٍ ضمنيٍّ الأمرِ الذي نحاولُ اثباتهُ. لكنَّ هذا الأمرَ مِن المستحيلِ تجاوُزَهُ في هذه الحالة. فإنَّه من الواجبِ علينا أن نستعملَ قوانينَ المنطقِ حتى نكونَ قادرينَ على إثباتِ أيِّ شيءٍ - بما في ذلكَ قوانينَ المنطقِ.

إنَّ الجدلَ المقدَّمَ أعلاهُ ليسَ تعسفياً. إذْ أنَّهُ يوجدُ لدينا أسبابٌ جيِّدَةٌ لافتراضِ وجودِ قوانينِ المنطق، ذلكَ أنَّهُ دونَ وجودها لا يمكنٌ إثباتٌ أيِّ شيءٍ. والمثيرِ للاهتمامِ ملاحظةُ أنَّهُ في سبيلِ أن يجادلَ أيُّ شخصٍ ضدَّ وجودِ قوانينِ المنطقِ، سيكونُ محتاجاً لاستخدامِ قوانينِ المنطقِ. وبالتالي فإنَّهُ سوفَ يناقضُ نفسَهُ.

وحين يكون من الواجب القبول بصحَّة الإدعاء في سبيلِ أن يُقدَّمَ جدلٌ ضدهُ، فإنَّهُ سيكونُ منَ العبثيّ عدمُ قبولِ حقيقةِ هذا الإدّعاء.

ولذلكَ فإنَّ الجدلات التي تَتَناوَلُ الأساسياتَ المطلوبةَ للمعرفةِ (كما في حالةِ قوانينِ المنطقِ) سوفَ تقومُ بالضرورةِ باستخدامِ نوعٍ من أنواعِ المنطقِ الدائريّ.

وهذا النوعُ من المنطقِ ليسَ مغلوطاً، وذلكَ في حالِ تمَّ تقديم مبرّراتٍ للإدعاءاتِ المقدَّمَةِ، وأن يكونَ هذا المنطقُ الدائريُّ متّسقاً وليس تعسّفياً. إن المنطق الدائري يعتبرُ تعسفياً في حالِ تمَّ استخدامَهُ في جدلاتٍ لاتتعلقُ بالمطالبِ الأساسيَّةِ للمعرفة (مثلَ قوانين المنطقِ ، قابلية لإعتماد على الحواس، والإستقراء.)

كما أنَّ الجدلات التي تعتمد التماس السؤال هي الأكثرُ شيوعاً في المناظراتِ حولَ الأصولِ. فلنتأمّل في التطوريّ الذي يقدم الجدلَ التالي ”إن الكتابَ المقدس لا يمكن أن يكونَ صحيحاً ذلكَ أنَّهُ يقولُ أنَّ النجومَ قد خُلِقَتْ في يومٍ واحدٍ؛ لكنَّنا نعرفُ أنَّ تشكلها قد استغرق عدّة ملايينَ من السنوات.“ من خلالِ افتراضِ أنَّ النجومَ قد استغرقتْ عدَّةَ ملايينْ منَ السنواتِ، قَبِلَ المُعتَرِضُ وبشكلٍ بديهيٍّ وكمسلّماتٍ أنَّ النجومَ لم تُخلَقْ بطريقةٍ تفوقُ الطبيعةَ ( أي بطريقةٍ معجزيّةٍ). أي أنَّهُ قامَ بشكلٍ ضمنيٍّ بافتراضِ أنَّ الكتابَ المُقدَّسَ خاطئٌ في محاولتهِ لإثباتِ أنَّ الكتابَ المُقدَّسَ خاطئٌ؛ أي أنَّه التمسَ السؤال.

مثالٌ آخر، ”نحنُ نعرفُ أنَّ التطورَ قدْ حدثَ، وذلكَ لأنَّنا هنا!“ إن هذا الجدلَ يلتمسُ السؤالَ، إذ أنَّ الطريقةَ التي وصلنا بها إلى الوجودُ هوَ محورُ النقاشِ والنقطةُ موضعُ التساؤلِ.

أما الآن فإنَّه من الواجب أن نتطرق لمثالٍ محدَّدٍ من التماسِ السؤالِ وهوَ شائعٌ جداً في المناظراتِ والجدلات التي تختَصُّ بموضوع الأصولِ، وبالرغم من ذلك فهو صعب الكشفِ والتمييزِ للأشخاصِ الذينَ لا يألفونَ هذا الموضوع. وهو يختصُّ بطبيعةِ مبدأٍ من مبادئِ التفكيرِ المنطقيّ والبحثِ العلميّ ويسمى ”الإستقراء“.

إن الإستقراءَ هوَ مبدأٌ يقومُ باستخلاصِ استنتاجاتٍ عامَّةٍ بناءً على عددٍ من الأمثلةِ المحدَّدةِ. وبشكلٍ أدقّ، إنَّ الإستقراءَ هو المبدأُ الذي نستخدمُهُ حينَ نقومُ بالإعتمادِ على تجارِبِنا وخبراتنا السابقة باعتبارها مؤشراتٌ ومقاييسٌ جيدةٌ لما هوَ محتملُ الحدوثِ في المستقبل. على سبيل المثال، في كلِّ مرةٍ قد حُرِقَتُ يديِ بالشمعِ في الماضي، كان ذلك مؤلماً. وبالتالي فأنا أفترضُ (بالإعتماد على الإستقراء) أنَّه في المستقبلِ وفي حالِ حُرِقَتٍ يدي بالشمعِ فإنَّ ذلكَ سيكونُ مؤلماً أيضاً.

لقد أشرت في محادثات شخصية مع تطوريّين إلى أنَّ الإستقراءَ هو بالحقيقةِ مبدأُ خلقيٌّ منَ الكتابِ المُقدَّسِ. وبالتحديدِ، إنه نتيجةٌ لكون اللهِ قد وعدَ بأن يُديرَ الكونَ في المستقبلِ بطريقةٍ تتفقُ مع الماضي (كما في التكوين ٨: ٢٢) وبالتالي فإنني كمؤمنٍ بالخلق أمتلكُ سبباً جيداً للإعتقادِ بأنَّ المستقبلَ سيكونُ مشابهاً للماضي، وذلك على مستوى المبادئِ العامَّةِ. وهذا بالطبع لا يعني بأنَّ الظروفَ في المستقبلِ ستكونُ مطابقةً للظروفِ التي حدثتْ في الماضي، لكنَّ الدوراتَ الطبيعيَّةَ العامَّةَ والمبادئَ الطبيعيَّة (مثل قوانينِ الطبيعةِ) ستبقى في المستقبلِ كما كانتْ في الماضي. وبالتالي فأنا قادرُ على استخدامِ تجاربِ الماضي كمؤشّرٍ لما قدْ يحدثُ في المستقبل، وذلكْ إن كنتُ أعرفْ الظروفَ بشكل كافٍ. إلا أنَّ التطوريّينَ ومنْ حيثُ المبدأ لا يمتلكونَ (في ضوء رؤيتهم للعالم) أيَّ سببٍ للإعتقادِ بالإستقراءِ، لكنهم جميعاً يعتقدونَ به. إنهم بهذا التصرف يعتمدون بشكلٍ ضمنيٍّ على مبدأٍ من مبادئِ الكتابِ المُقدَّسِ، في الوقتِ الذي ينكرونَ الكتابَ المقدَّسَ بشفاهِهم - وهذا تناقض صارخ.

في محاولة للردِّ على هذا، حاولَ التطوريّونَ أن يجادلوا بأنَّهم بالحقيقةِ يمتلكونَ سبباً للإعتقادِ بالإستقراءِ. وذلكَ السببُ هو - أنَّهُ يعملُ بشكلٍ جيّدٍ! فيقولون: في كلِّ مرّةٍ قمنا باستعمالِ الإستقراءِ سواءَ كانَ ذلكَ على المستوى الشخصيّ أو من خلالِ التجاربِ والمساعي العلمية، أثبتَ أنَّهُ ناجحٌ. وهذا يعطينا ثقةً بأنَّهُ سيتابعُ بإعطائِنَا نتائجَ ناجحة في المستقبل. لكنَّ تقديمَ التطوريَّ لهذا الجدلِ هو ارتكابٌ لمغالطةِ التماسِ السؤالِ. فإنَّه من الممكن ان نقوم بتلخيص جدله بالشكل التالي: ”إنَّ الإستقراءَ قد أعطى نتائجَ جيّدة في الماضي، وبالتالي فإنَّهُ غالباً سيعطي نتائجَ جيِّدةَ في المستقبلِ أيضاً.“ من المؤكد أن هذا الجدل يفترض بأن الخبرات الماضية هي مؤشراتٌ على ما قدْ يحدثُ في المستقبلِ. أي أنَّه يفترضُ مبدأَ الإستقراءِ. لكن هذا المبدأُ هو ما يحاولُ إثباتَهُ! إنَّ المؤمن بالتطور هنا قامً بشكلٍ تعسفيٍّ بافتراضِ مبدأِ الإستقراءِ في جدلِه الذي قدَّمَهُ لإثبات مبدأ الإستقراء. وبالتالي فإنَّهُ يستعملُ منطقاً دائرياً.

الخلاصة

يجب علينا الإنتباه إلى الجدلات التي تفترضُ بشكلٍ مخفيٍّ (وتعسّفيٍ) الأمرَ الذي يحاولُ المُجادل أن يقومَ بإثباته. لنكون أكثر دقّة، إن التطوريّينَ عادةً يأخذونَ الإفتراضات بشكلِ مسلّماتٍ وبديهيّاتٍ مثلَ المذهبِ الطبيعيّ، ومذهبِ الوتيرة الواحدةِ، والمذهبِ التجريبيّ المتشدد (القائل بأنَّ كلَّ الإدعاءاتِ عن الحقيقةِ يمكنُ أن تتمَّ الإجابةُ عنها من خلالِ التجربةِ والمعاينة)، وفي بعضِ الأحيانِ يأخذونَ التطورَ بحدِّ ذاتِهِ على أنَّهُ منَ الأمورِ المسلّمِ بها. لكن بالطبع إن هذه الأمورَ كلها هي المسألةُ التي يحاولونَ الدفاعَ عنها.

وحين يقومُ التطوريّ بافتراضِ مثلِ هذهِ الأمورِ دونَ أن يقدِّمَ سبباً منطقياً للدفاعِ عن موقفه هذا ـ فإن موقِفَهُ سيكونُ موقفاً تعسفياً إذ أنَّه يؤكدُ موقِفَهُ فحسبْ دون أن يقدم أسباباً وحُججاً.

أمثلة إضافية عن التماس السؤال

”لا بد أن يكون التطور صحيحاً، فهو حقيقة قد تم تأسيسها من خلال العلم.“

”يوجد لدينا ثقة بالطرق العلمية والإستقراء كونها قد خدمتنا بشكل جيد في الماضي.“

”كيف نعرف أن قوانين الفيزياء هي كونية؟ لأننا وفي كل مكان اختبرناها على الأرض كانت نتائجها مرضية. وبالتالي فإنه من المنطقي أن نفترض بأنها كذلك في الأمكنة الأُخرى.“

”لا يمكن أن يكون الخلق حقيقياً ذلك لأنه يتضمن معجزات.“

”نحن بالحقيقة لا نحتاج لامتلاك أدلة عن التطور، لأنه حقيقة.“