مغالطة ”التماس السلطة“

مغالطة ”التماس السلطة“

Cover Image for: faulty-appeal-to-authority

إن مغالطة التماس السلطة تقف نوعاً ما على النقيض من مغالطة الشخصنة. ففي الوقت الذي تعتمد فيه مغالطة الشخصنة على رفض الجدل بناءً على الشخص الذي يقدّمه، فإن مغالطة التماس السلطة تتبنى الجدل بالإعتماد على الشخص الذي يقدّمه. 

مغالطة التماس السُّلطة

إن البناء الأساسي للجدل المغلوط من هذا النوع هو كالتالي:

  1. إن (س) يؤمن بالإدعاء (ن).
  2. بالتالي فإن الإدعاء (ن) صحيح.

إنَّ الأمر لن يكون بهذا الوضوح. بالعادة يتم تبجيل الشخص الذي سيتم التماس سلطته بطريقة مميزة، إلا أنّ شعبية الشخص لا علاقة لها بصحة الإدعاء الذي يقدمه.

عادة ضمن الجدل القائم حول الأصول يتم التماس رأي بعض الأشخاص الذين يتم اعتبارهم خبراءَ في مجالات معينة قيد النقاش - قد يكون الشخص عالماً أو ربما دارس لعلم اللاهوت.

على سبيل المثال، تأمل في التصريح التالي.

”الدكتور (س) حامل لشهادة الدكتوراه في علم الأحياء وهو يؤمن بالتطور.“

إن الإستنتاج الضمني من هذا التصريح هو أن التطور يجب أن يكون صحيحاً أو على الأقل إنه يميل إلى أن يكون صحيحاً. لكن هذا النوع من الجدل هو جدل مغلوط. فنحن أيضاً نمتلك القدرة على القيام بالمثل فنقول بأن ”الدكتور (ع) حامل لشهادة الدكتوراه في علم الأحياء وهو يؤمن بالخلق.“

يقول آخر:

(ج) يمتلك شهادة في علم اللاهوت، وهو يقول إنه أمرٌ مقبول أن نؤمن بالتطور والكتاب المُقدَّس في وقت واحد.

إنه من الممكن أن نجد عدداً من الأشخاص اللاهوتيين من ذوي الكفاءة العالية ممن سيقولون النقيض. فإنه يوجد ما هو أهم من معرفة ما يقوله اللاهوتي عن الكتاب المُقدَّس، ألا وهو ما يقوله الكتاب المُقدَّس عن الموضوع المطروح!

ليس كل التماس للسلطة هو التماس مغلوط. فإنه أمر مشروع أن يتم التماس رأي خبير في مجال معين لا يكون لدى الجميع الوقت الكافي أو المقدرة لدراسته والتدقيق في صحة كل التصاريح المقدّمة عنه. فنحن نستطيع ويجب أن نلتمس خبرة الآخرين في وقت من الأوقات.

لكن متى يصبح الإحتكام إلى السلطة أمراً مغلوطاً؟

على ما يبدو يوجد ثلاثة طرق شائعة لحدوث ذلك:

  1. التماس سلطة خبير في مجال ليس هو مجال خبرته. إن الدكتور (س) الخبير في علم الأحياء الذي استخدمناه سابقاً ربما يمتلك مؤهلات عالية تعطيه القدرة على الإدلاء بتصريحات تتعلق بوظيفة بعض الأعضاء في الوقت الراهن. لكن هل المعرفة عن كيفية عمل الأشياء في وقتنا الراهن ستشير إلى معرفة كيفية ظهور هذه الأشياء؟ فإن هذان الموضوعان مختلفان تماماً. فإن الدكتور (س) قد أجرى اختباراته وملاحظاته في هذا العصر. وهو لا يمتلك أي ملاحظات مباشرة عن الماضي أكثر من الأشخاص الآخرين. إذ أن السؤال المتعلق بالماضي هو سؤال تاريخي وبذلك فإن الأمر يتعامل مع الرؤى للعالم، وبالتالي فإن السؤال حول الأصول ليس سؤالاً يرتبط بعلم الأحياء والرأي الذي يقدمه الدكتور (س) ليس له أي أفضلية عن رأي الآخرين.
  2. الفشل في معرفة كيفية تأثير الرؤية الشخصية للعالم التي يتبناها الخبير الذي يتم التماس رأيه على تفسيره للبيانات. كل منا يمتلك رؤية للعالم - وهي الفلسفة التي تقود فهمنا للكون. فنحن حين نقوم بتفسير الأدلة العلمية والتاريخية، فإننا سنلجأ إلى رؤيتنا للعالم لتساعدنا على الوصول إلى الإستنتاجات. إن حقيقة كون الدكتور (س) مؤمناً بالتطور يعني بأنّه عُرضة لأن  يقدم تفسيراً للأدلة بطريقة معينة. (إن النقطة من هذا الطرح ليست أن يتم نسب الخطأ إليه بناءً على ذلك؛ إنما أن يتم الإنتباه إلى أن كل شخص يمتلك تحيُّز من نوع ما. وبأنه يجب أن يتمّ الإنتباه إلى ماهية هذه التحيزات.) فالمؤمن بالخلق الذي يمتلك المؤهلات عينها سيقوم بالوصول إلى استنتاجات مختلفة من خلال البيانات عينها. ففي الوقت الذي قد أثق بما يقوله الدكتور (س) عن تركيب بروتين معين قد سبق له وقام بدراسته تحت المجهر، سوف لن أضع الكثير من الثقة في رأيه حول موضوع الأصول على اعتبار أن تحيزه في هذا المجال إنما هو خاطئ.
  3. التعامل مع الخبراء القابلين للخطأ على أنهم معصومين عن ارتكاب الأخطاء. يتوجب علينا أن نعرف بشكل دائم أن الخبراء لا يمتلكون معرفة كاملة. فإنهم أيضاُ يرتكبون الأخطاء في حقل اختصاصهم. فإن بعض الإكتشافات الجديدة قد تتسبب بأن يقوم العلماء بتغيير آرائهم حول بعض الأمور التي كانوا يعتقدون بأنهم متيقنون منها. وبالتالي فإن التماس سلطة الخبراء تنتج في أحسن الأحوال احتمالية استنتاج معين. وسيكون من المغلوط أن يتم الجدل حول حتمية أمر معيّن كون أحد العلماء (القابلين للخطأ) يعتقد به.

بالطبع لو كان الخبير ذو معرفة عن جميع الأشياء ولم يكذب أبداً فإنه لن يكون أمراً مغلوطاً أن يتم القبول بتصريحاته على أنها حقيقة مطلقة. بل وسيكون من العبثي ألا يتم القبول بتصريحاته في تلك الظروف. وإن الكتاب المُقدَّس يدَّعي أنَّه مصدر معصوم - أي أنَّه إعلان من الله الكلّي المعرفة والذي لا يستطيع أن يكذب (كولوسي ٢: ٣؛ تيطس ١: ٢). وبالتالي فإنه ليس من مغالطة في التماس الوحي المقدس على أنَّه صاحب السلطة المطلقة.

وقد قام بعض المؤمنين بالتطور بتوجيه اتهام خاطئ للمؤمنين بالخلق بارتكاب مغالطة التماس السلطة في هذا الموضوع تحديداً. من الطبيعي أن التطوري قد لا يؤمن بالكتاب المُقدَّس على أنَّه مصدر معصوم، لكن يجب عليه أن يقوم بتقديم دليل على هذا الأمر قبل أن يتهم الخلقيين بالإلتماس الخاطئ.

يوجد نوع آخر من الإلتماس الخاطئ للسلطة وهو التماس رأي الأغلبية. ويحدث هذا حين يحاول الشخص أن يجادل في أنَّ الإدعاء يجب أن يكون صحيحاً ذلك أنَّ الغالبية تعتقد به. لكن اعتقاد الغالبية بأمر معين لن يجعل منه صحيحاً. فالتاريخ مليء بالأمثلة التي تظهر أنَّ الغالبية كانت تعتقد اعتقاداتٍ خاطئة. فالحقيقة لا يتم تحديدها من خلال صناديق الإقتراع.

إن هذا النوع من المغالطات واضح للغاية ومن الصعب أن نعتقد أن الأشخاص قد يقعون به. إلا أنَّه يوجد نوع من الإغراء النفسي في التماس رأي الأغلبية. فـ ”كيف يمكن أن يكون جميع هؤلاء الأشخاص على خطأ؟“، بالطبع إن هذه هي الحالة مع الكثير من الأشخاص الذين هم جزء من الأغلبية حيث أنهم يعتقدون بصحّة الإدعاءات ذلك أنَّ الأشخاص الآخرين من الأغلبية يعتقدون بها. (إن هذا ليس سبباً منطقياً.)

إن التماس رأي الأغلبية يرتبط عادةً مع التماس رأي الخبراء - أي التماس رأي أغلبية الخبراء. ويقع التطوريّون عادة في هذا النوع من المغالطات المزدوجة؛ فهم يحاولون أن يؤيّدوا قضيتهم من خلال الإشارة إلى أنَّ ”الأغلبية الساحقة من العلماء تعتقد بالتطور. وبالتالي فإن التطور يميل لأن يكون صحيحاً.“

إلا أن إرتكاب المغالطات بشكل مجمَّع لن يساعد على تقديم جدلٍ جيّد! 

كما ويمكننا أن نقوم بالإشارة إلى أنَّ التاريخ يذخر بالأمثلة التي كانت فيها أغلبية العلماء تتخذ مواقفاً خاطئةً للغاية. وبالرغم من ذلك فإننا نجد أن الناس يتابعون ارتكابهاهذا النوع من المغالطات.

قد نسمع في بعض الأحيان عبارات مثل: ”وفقاً للتيار العلمي الرئيسي…“، ”المؤسسات العلمية تقول …“، أو ”الإجماع العلمي يقول …“ كأداة في محاولة إثبات إدّعاء مُعيَّن.

مثال آخر: ”إن المؤمنين بالخلق يعلمون أن العالم يعود إلى ما يقرب من ٦٠٠٠ عام، لكن غالبية العلماء لا يوافقون على هذا.“ إن هذه العبارة صحيحة لكن الإستنتاج غير المصرَّح به علناً هو أنَّه يجب أن نقبل برأي أغلبية العلماء. إن الأمر بالنسبة لمجموعة الخبراء لا يختلف عنه مع الخبير المنفرد، إذ أنَّه يجب أن نأخذ بعين الإعتبار مؤهلاتهم في الموضوع المطروح، كما يجب أخذ رؤيتهم للعالم وتحيّزهم بعين الإعتبار أيضاً، كما أنه يجب الإنتباه إلى أنهم قابلين لارتكاب الأخطاء نتيجةً لمعرفتهم المحدودة.

إنَّ الله قد أعطى الأشخاص المختلفين اهتماماتٍ مختلفة وهو سيكون راضياً حين يقومون بدراسات جادّة ويقوموا بتطوير خبرات في مجالات مُعيَّنة من خليقته. وإنه من المستحق أن يتم الإسترشاد برأي الخبراء، مع الأخذ بعين الإعتبار بشكل دائم أنه يجب عدم أخذ رأيهم على أنه أكثر من رأي بشري قابل للخطأ وليس ذو سلطان أعلى من سلطان كلمة الله.

أمثة إضافية عن الإلتماس الخاطئ للسلطة:

”إن كان الخلق صحيحاً، فلماذا نجد أن الغالبية العظمى من العلماء تؤمن بالتطور؟“

”إن التطور أمر صحيح حقاً. فكتاب علم الأحياء الذي ندرسه يقول بذلك.“

”الدكتور (س) يؤمن بالتطور وبالتالي فإن التطور صحيح.“

”إن الإجماع العلمي يقول بأن الكون يعود إلى مليارات السنين.“[وهذا يشير إلى أنَّه يجب القبول بذلك.]

”بالطبع إن جميع أشكال الحياة قد تطورت من سلف مشترك. فكيف يمكن لجميع هؤلاء العلماء أن يكونوا على خطأ؟“

”أنت تؤمن بما يقوله العلماء عن الجاذبية الأرضية، الكهرباء، الكيمياء، و غيرها. فلماذا لا تؤمن بما يقولونه عن التطور؟“

”(س) هو من بين أكثر الأشخاص الذين أعرفهم ذكاءً. وهو يؤمن بالتطور.“ [إن هذا يتضمن إشارة ضمنية إلى أنه يجب أن نفعل المثل أيضاً.]