مقدمة في المنطق

مقدمة في المنطق

Cover Image for: logice-intro

المنطق هو أداة هامَّة من الأدوات التي تسهم في دَرء خطر قبول الإستنتاجات الخاطئة التي تُقدَّم بطريقة مُقنَّعة. وهي أداة فَعَّالة يجب أن يتم استخدامها أثناء تقديم الدفاعيات.

سنقوم بتقديم مجموعة من التعاريف للمصطلحات الأساسية التي سيتم استخدامها في دراستنا هذه.

في كلِّ مرّةٍ تجد بَعضِ الأشخاصِ الذينَ يتناقشون في موضوع ما، وبصرفِ النَّظرِ عن نوعِ الموضوعِ، سواء كان ذلك عن الإجهاض، تراخيص السلاح، أصل الحياة، الدين، أو السياسية. فإنّ الأمرَ الغالبَ هو أنَّه سيتم ارتكاب عددٍ كبيرٍ جداً من الأخطاء في سياق الجدل الذي يقدِّمونه. وهي أخطاء في التسلسل المنطقي للأفكار وهي ما ندعوه ”بالمغالطاتِ المنطقية“.تخيَّل لو أنَّ كُلّ شخصٍ منا، يمتلك جهازاً يُصدِرُ نوعاً من الرنين في كلّ مرةٍ يتم فيها ارتكابُ خطأٍ منطقي! إن هذه الفكرة الفكاهية لن تكون مقبولةً من الناحية الإجتماعية، إلا أننا بحاجةٍ ماسَّةٍ لامتلاك جهازٍ مشابه، لكن الجهاز الذي سنعمل على تطويره سيصدر تنبيهاً ذهنياً! إذ أنَّ المنطق الذي يحكم التفكير والتسلسل المنطقي السليم، بات إحدى المهاراتِ المفقودةِ في وقتنا الراهن، وهذا الأمر مُحزنٌ للغاية! فالمنطقُ السليمُ هو أداةٌ قيّمةٌ ومفيدةٌ للغايةِ، وبشكلٍ خاصٍّ للمسيحيّينَ الذينَ يريدونَ تقديمَ دفاعٍ سليمٍ ومتينٍ عن الإيمان. وتظهر قيمة هذه الأداة بشكلٍ خاصٍ أثناء القيام بحواراتٍ مع المؤمنينَ بالتطوّر. وذلك لأن هذا النوع من الحوارات أو الجدلات يتضمَّنُ كماً كبيراً من المغالطات المنطقية، وإنَّه لأمرٌ مُهمٌّ أن يتعلَّمَ المؤمنون بالخلقِ الكيفيةَ التي تُمكِّنُهم من رصدِ ومعالجةِ هذا النوعِ من الأخطاء.كما أنَّه أمرٌ مُحزِنٌ أن نجدَ البعضَ من المؤمنينَ بالخلقِ التوراتيّ يرتكبون هذا النوعَ من الأخطاءِ، وهو أمر يتسبب بالحرجِ بشكلٍ خاصٍّ إن كنتَ تدافعُ عن ذات الموقف!
في البداية يجبُ أن نقومَ بتقديمِ تعريفٍ لمجموعةٍ من المفاهيمِ التي تتعلق ببحثنا هذا.

أولاًً- الفَرْض (أو الإدّعاء) وهو تصريح مصمم ليكون إما ”صحيحاً“ أو ”خاطئاً“. على سبيل المثال ”جميع الثديّات تمتلك كِلى“ هو فرضٌ ويحدث أنَّه في هذه الحالةِ فرضٌ صحيحٌ. أما التصريح بأن ”لا يوجد أيٌّ من الثديات يمتلك كِلى“ فهو أيضاً فرض، ويحدث في هذه الحالةِ أنَّهُ فرضٌ خاطئ.

ثانياً- الجدل: يتم تعريف الجدل في علم المنطق على أنَّه إثنين أو أكثر من الفرضيات، حيث تكون حقيقة الواحدِ منها مبنيَّةً على حقيقةِ الآخرَ أو الآخرين في حال وُجِدَ أكثر من فرض. أي أننا إن قلنا:

  1. جميع الثديات تمتلك كِلى.
  2. جميع الكلاب هي ثديّات.
  3. لذلك جميع الكلاب تمتلك كِلى هذا سينشئ لدينا جدلاً منطقيّاً، إذ أنَّ الفرض الثالث قد تأكَّد بناءً على قاعدة كون الفرضين الأوَّلَين حقيقيّن.

إنَّ الفرضين الأولين يُعرفان بإسم المقدمة المنطقيّة أو البناء المنطقيّ، في حين أن الفرض الثالث الذي تمَّ تأكيدُه يدعى بالإستنتاج. وهو غالباً ما يُسبق بكلمةِ ”لذلك أو بالتالي“ وهذا يجعلُ تمييزَهُ أمراً سهلاً.في الجدل المنطقي، يتم أخذُ الفرضياتِ بشكلِ مسلّماتٍ، وغالباً ما يتم افتراض أن الطرفين سيوافقون على أنّ هذه الإفتراضات هي صحيحة. (قد لا يكون الحال كذلك دائماً، إلا أنَّه على الأقل أمر مفتَرَضٌ من قبلِ الشخصِ الذي يُقدّم الجدلَ.) ثم من تلك الفرضيات أي (المقدمات المنطقية) نقوم باستخلاص الإستنتاجات. فإن كان يُراد للجدلِ أن يكونَ جيّداً، فإنه يجب أن تكونَ جميعُ افتراضاتهِ صحيحةً، وأن تكونَ الإستنتاجاتُ عقلانيةً وتَتبَعُ الفرضيات.

وبالتالي فإنَّ الجدل الجيّد سيُفضي إلى إستنتاجاتٍ صحيحةٍ، أو أقل الإيمان ستكون متوقّعةً (وذلك بالإعتماد على نوع الجدل).

إن قوانين المنطق تشير لنا إلى نوع الإستنتاجات التي يمكننا أن نستخلصها بشكل شرعيّ من الفرضيات المتوفّرة. بما معناه أن قوانين المنطق هي التي تصف ”السلسلة الصحيحة من المنطق“ التي تنطلق من الفرضيات إلى الإستنتاجات.

وأخيراً المغالطة المنطقية: وهي خطأٌ شائعٌ في التفكيرِ المنطقيّ. ففي بعض الأحيان يرتكب الأشخاص نوعاً من الأخطاءِ في ”سلسلةِ المنطقِ المستخدَمْ“ للإنتقالِ منَ المقدمة المنطقية إلى الإستنتاجِ المنطقيّ. فإنه وبالرغم من إمكانية كون المقدّمات التي وضعوها صحيحةً بشكلٍ كاملٍ، إلا أنهم توصَّلوا إلى استنتاجاتٍ خاطئةٍ،

على سبيل المثال:

  1. بعض الثديات هي قطط. (٢)
  2. جميع الكلاب هي ثديات. (٣)
  3. بالتالي فإن بعض الكلاب هي قطط.

إن الفرضين (١) و(٢) هما صحيحان بشكل كامل، إلا أن الإستنتاج (٣) هو خاطئ بشكلٍ واضحٍ، وهو لا يتبعُ سلسلةَ الأفكارِ منَ الفرضيّاتِ المُقَدَّمَةِ. وهذا النوع من الجدلِ هو مغالطةٌ منطقيةٌ (هذه المغالطة المرتكبة هي نوع من أنواع مغالطات القياس المنطقي، وتدعى ”الوسيط غير الموزَّع“). والأمرُ الذي يجعلُ منها مغالطة هو أسلوبُ التضليلِ الموجودِ حيث تُعطي انطباعاً بأنها منطقية.

ولهذا السبب فإنه من المهم أن نكون على اطلاعٍ ومعرفةٍ بأكثرِ المغالطاتِ المنطقيَّةِ شيوعاً.

لكن، ليست جميعُ الأخطاءِ المنطقيةِ هي مغالطاتٌ منطقيةٌ. ففي بعض الأحيان تكون سلسلة الأفكار المنطقيةِ شرعيةٌ بشكل كامل، لكن الشخص قد ابتدأ من فرضٍ خاطئٍ.

لنتأمل في المثال التالي:

  1. جميع الكلاب هي ثديات. (٢)
  2. جميع الثديات هي سحالي. (٣)
  3. بالتالي فإن جميع الكلاب هي سحالي.“

إن هذا الجدلَ هو جدلٌ سيّءٌ، لكنه لا يحتوي على مغالطةٍ منطقيةٍ. فلو كانَت الفرضياتُ المُقدَّمَةُ فيه سليمةٌ، لكان الإستنتاجَ سليماً هو الآخر ويتبعُ تلكَ الفرضياتِ. لكنَّ الفرض الثاني في المقدمة المنطقية هو خاطئ، وهذا الأمر هو الذي تسبب بأن يكون الإستنتاجُ غيرَ صحيحٍ. وبالتالي فإنَّه حينَ يقومُ الأشخاصُ باستخلاصِ استنتاجاتٍ غيرِ صحيحةٍ، لا يمكننا أن نفترضَ بشكلٍ فوريٍّ أنهم قد ارتكبوا أخطاءً منطقيةً؛ بالرَّغم من أنَّ ذلك قَْد يكونُ صحيحاً في بعضِ الحالاتٍ؛ إلا أنهُ يوجدُ احتمالٌ أن تكونَ بعضُ الإفتراضاتِ التي قدّموها خاطئة. فالطريقة السليمةُ للرد على الجدل السابق هي: ”بالرغم من أن السلسلةَ المنطقيَّةَ التي قُمْتَ بتقديمِها سليمةٌ، إلا أنَّ الفَرْضَ الثاني الذي قُمْتَ بتقديمِه ألا وهو أن ”جميع الثديّات هي سحالي“ إنما هو خاطئ، وهو الأمر الذي أدَّى بكَ إلى الوصولِ إلى استنتاجٍ غيرِ صحيحٍ.“
بالتالي، فإنه يوجد طريقتين يكونُ وفقهما الجدَلُ خاطئاً. (الأولى) أن يحتوي على مغالطة منطقية - أي خطأ في سلسلة المنطق المستخدم. (الثانية) أن يحتوي على فرضٍ خاطئ].النقطةُ الأخيرةُ التي سنقومُ بتقديمِها هيَ أنواعُ المنطقِ

يوجدُ نوعانِ رئيسيانِ منَ المنطقِ وهما: المنطقُ الإستقرائي ( أو الإستدلالي)، والمنطقُ الإستنتاجيّ (أو الإستنباطي).

فالجدل الذي يستخدم المنطق الإستقرائي هو الذي يَدَّعي كونَ استنتاجاته تَميلُ إلى أن تكونَ صحيحةً في حال كانت الفرضيات سليمة.

في حين أن الجدل الذي يستخدم المنطق الإستنتاجي فهو الذي يدّعي بأنَّ استنتاجاتهِ صحيحةً بشكلْ قطعيّ في حال كانت فرضياتُه سليمةً.

إن الأمثلة التي استخدمناها سابقاً، كانت من النوع الإستنتاجي. وهذا النوع من المنطق يمكن أن يكون منطقاً سيئاً في بعض الحالات. فإن كان الإدّعاء بأن الإستنتاجات تتبع بالضرورة من الفرضيات، حينئذ يكون الجدل من النوع الإستنتاجي. أما إذا كان الإدعاء بأن الإستنتاجات تميل لأن تكون حقيقية في حال كانت الفرضيات سليمة فإنه يكون من النوع الإستقرائي.الجدلات الإستقرائية تصنف على أنها إما أنّ تكون ”قوية“ أو ”ضعيفة“. القوية منها هي حين تكون الإستنتاجات ذات احتمالية عالية مع الأخذ بصحة الفرضيات، أما الضعيفة منها هي حين تكون الإستنتاجات ذات احتماليّة ضعيفة.

وكمثال على الجدال الإستقرائي فلنتأمل في الجدل التالي:

”لقد قمت للتو بالإتصال بالدكتور X ولم يُجب. وبالتالي، فإنَّهُ غالباً خارجَ مكتبه.“

إن الإستنتاج على مايبدو مدعوماً بالفرض. وبالتالي فإن هذا الجدل يعتبر جدلاً قويّاً. ولكن في الجدلِ الإستقرائي نجدُ أنَّ المعلوماتَ الإضافيةَ ستؤدي إلى تغييرِ الإستنتاجاتِ. ففي حال قمنا بإضافة الفرض التالي:

”الدكتور X لا يجيب على هاتفه أبداً حتى حين يكون في مكتبه.“

فإن الإستنتاج الذي وصلنا إليه سابقاً أي: ”بالغالب فإنَّ الدكتور X خارجَ مكتبه“ لن يكون ذا احتمالية عالية. أي أنَّ المعلوماتَ الإضافيةَ قادرةٌ على تغييرِ الجدلِ القويِّ ليصبحَ جدلاً ضعيفاً.أما الجدل الإستنتاجي فيصنَّف إما على أنه ”جدلٌ صالحٌ (أو شرعيٌّ)“ أو ”جدلٌ باطلٌ (أو غيرَ صالحٍ)“. فإن كانَ الإستنتاجُ يتبعُ بشكلٍ حقيقيٍ للفرضياتِ حينئذٍ يكونُ الجدلُ صالحاً؛ وإلا فإنه باطلٌ. ولا يوجدُ أيَّ معلوماتٍ إضافيةٍ قادرَةٌ على تغييرِ الجدلِ الصالحِ إلى جدلٍ غيرَ صالحٍ.

ولنتأمل في الجدل الذي قدمناه سابقاً:

  1. جميع الثديّات تمتلك كِلى. (٢)
  2. جميع الكلاب هي من الثديات. (٣َ)
  3. بالتالي فإن جميع الكلابٍ تمتَلِكُ كِلىً.

لا يوجدُ أيُّ نوعٍ من المعلوماتِ الإضافيَّةِ قادرةٌ على العبث بصلاحيةِ هذا الجدل. فإنه من غير المهم نوع المعلومات الإضافية التي نعرفها عن الكلاب، أو الكِلى، أو الثديّات، أو أي شيء آخر في الكون. فإن كان التصريحان الأول والثاني صحيحان فإن التصريح الثالث سيكون صحيحاً. وبالتالي فإن هذا الجدل صالحٌ. وهو أيضاً جدل ”سليم“.

حيث أنَّ الجدل ”السليم“ هو الجدل الصالح الذي يمتلك فرضيات صحيحة (وبالتالي فإن الإستنتاج يجب أن يكون صحيحاً هو الآخر.)
يوجد تقسيم آخر لأنواع المنطق وهي المنطق ”الرسمي“ و المنطق ”غير الرسمي“.

أما المنطق الرسمي فهو حين يكون من الممكن التعبير عن هذا المنطق بطريقة رموز أو معادلات ومن ثم يتم اختبار صحته دون معرفة الإفتراضات. أي أن المنطق الرسمي يشبه إلى حدّ كبير علم الجبر؛ فهو يحتوي على تعبيرات تشبه:

  1. إن كان لدينا س فسيكون لدينا ع (٢)
  2. لدينا س (٣)
  3. وبالتالي سيكون ع.

إن الرمزين س، ع يشيران إلى افتراضات معينة، وصلاحية الجدل لا تعتمد على نوع الإفتراضات! إنما تعتمد على ”صيغة“ الجدل - أي الجدل من النوع الرسمي. وإنه من الممكن أن يتم التعبير عن الجدل الإستنتاجي بهذه الصيغ.

أما المنطق غير الرسمي لا يستعمل الرموز؛ إنما يستعمل اللغة الإعتيادية وبالتالي فإنه من السهل تعلّمه. ولذلك فإننا سنبدأ بدراسة المغالطات المرتبطة بالمنطق غير الرسمي. وهي ما يعرف ”بمغالطات اللغة الإعتيادية“. ويوجد الكثير من هذه المغالطات، لكننا سوف نقوم بتقديم الأكثر شيوعاً عند التعامل مع موضوع الدفاعيات.

الفئات

المنطق

الوسوم

منطقالخلق