المغالطات الرسميّة

المغالطات الرسميّة

Cover Image for: modus

سوف نقوم في هذا الفصل بدراسة مغالطتين منطقيتين شائعتين في الجدالات التي يقدمها التطوريّون وهما ”التوكيد من الناتج“ و ”الإنكار من الفرض“.

أرجو ألا يتسبَّب هذا الفصل بأي نوع من الإحباط في حال لم تكن لديكم المعرفة المسبقة بهذان الأسماء فنحن سوف نقوم معاً بالتعرّف عليهما، وستكون هذه الدراسة مُفيدة للغاية.

إن فهم هذه المغالطات هو أسهل بكثير من الإنطباع الذي يعطيه قراءة أسماءها. وهي مغالطات رسمية كونها تَرتَكِبُ خطأً في البنية أو الصيغة التي يتشكل على أساسها الجدل. إن نتائج دراسة هاتين المغالطتين تستحق العناء والجهد المبذول في فهمها ودراسة آليات الردّ عليها، ذلك لأن هاتان المغالطان شائعتان جداً - ويمكن القول أنهما ربما تكونان الأكثر شيوعاً بين المؤمنين بالتطور.

إنَّ المغالطات الرسمية تتعامل مع المنطق الرسمي الإستنباطي الذي سبق وأشرنا إليه في المقدمة وهو المنطق الذي يمكن التعبير عنه باستخدام الرموز عوضاً عن الفروض. وهو ما يعرف بالقياس المنطقي حيث أننا نُنتج صيغة رياضية قياسية صالحة للحكم على مدى صلاحية الجدلات المنطقية.

إن القياس المنطقي الذي سوف نتعامل معه يعرف بالقياس المنطقي المبني على الفروض المختلطة، وهذا الإسم ناتج من كون الجدل يبنى على فرض مبنى على افتراض أو تخمين مثل (إن كان أ صحيحاً فسيكون ب صحيحاً) وتصريحٍ ثانٍ من نوع توكيدي أي مثل (إنَّ أ صحيح أو إنَّ أ ليس صحيحاً).

وإليكم مثال عن الجدل المنطقي الذي يعتمد الفروض المختلطة:

  1. إذا كان أ صحيحاً فإنَّ ب سيكون صحيحاً (١)
  2. إنَّ أ هو صحيح (٢)
  3. وبالتالي فإنَّ ب هو الآخر صحيح (٣)

إنَّ الجزء الأول من هذا المثال أي (أ) يعرف باسم المٌسَبِّب في حين يُعرف الجزء الثاني أي (ب) باسم الناتج

أما الآن وبعد أن قدمّنا التعريفات اللازمة فلننتقل إلى أنواع القياس المنطقي المبني على فروض مختلطة وسوف نقوم بالتعامل مع أربعة أنواع شديدة الأهمية ومتكرّرة جداً ، وسيكون من المفيد جداً التعامل معها.

النوعان الأولان هما من النوع السليم والصالح أما الآخران فهما مغالطات منطقية:

المثال الأول:

فلنبدأ باستخدام الرموز أولاً ومن ثمَّ نستخدم الفروض الواقعية:

  1. إذا كان أ صحيحاً فإنَّ ب سيكون صحيحاً (١)
  2. إنَّ أ هو صحيح (٢)
  3. وبالتالي فإنَّ ب هو الآخر صحيح (٣)

إن المُسبّب يؤكد الناتج وبالتالي فإن هذا النوع يُعرف باسم التوكيد من خلال المسبب أو نظرية التوكيد،

ولنستبدل الرموز بفروض واقعية:

  1. ١. إن كان الثلج يتساقط، فإن الطقس سيكون بارداً في الخارج.
  2. ٢. إن الثلج يتساقط.
  3. ٣. وبالتالي فلابدَّ أن الطقس باردٌ في الخارج.

إنَّ هذا النوع من القياس المنطقي هو قياس سليم وصالح.

المثال الثاني:

  1. إذا كان أ صحيحاً فإنَّ ب سيكون صحيحاً
  2. إنَّ ب ليس صحيحاً
  3. بالتالي فإنَّ أ هو الآخر ليس صحيحاً

يعرف هذا النوع باسم نظرية النفي أو النفي من خلال الناتج وذلك كون الفرض الثاني يؤكد أن الناتج ليس صحيحاً وبالتالي فإن المسبب هو الآخر لا يمكن أن يكون صحيحاً.

ولنستبدل الرموز بفروض واقعية

  1. إن كان الثلج يتساقط، فإن الطقس سيكون بارداً في الخارج.
  2. إن الطقس ليس بارداً في الخارج.
  3. وبالتالي فإنه لا يوجد تساقط للثلوج.

وهذا الآخر هو قياس منطقي صالح.

المثال الثالث

  1. إذا كان أ صحيحاً فإن ب سيكون صحيحاً.
  2. إنَّ ب صحيح.
  3. وبالتالي فإن  أ هو الآخر صحيح.

إن الناتج أي ب يؤّكد المُسبِّب وبالتالي فإن هذا النوع يُعرف بالتأكيد من خلال الناتج. ولنستبدل الرموز بفروض واقعية:

  1. إن كان الثلج يتساقط، فإن الطقس سيكون بارداً في الخارج.
  2. إن الطقس باردٌ في الخارج.
  3. وبالتالي فإن الثلج يتساقط.

إن الخطأ في هذا المثال هو شديد الوضوح، إذ أنَّ برودة الطقس في الخارج لا تعني بالضرورة أن الثلج سوف يتساقط، بالرغم من أن ذلك قد يكون صحيحاً في بعض الحالات كنتيجة للمصادفة.

ولننظر الآن في بعض الجدلات التطورية التي تستخدم هذا النوع من الجدلات.

  1. إن كان التطور صحيحاً، سوف نتوقع أن تمتلك الكائنات الحيّة تشابهاً في سلسلة الحمض النووي.
  2. الكائنات الحية تمتلك تشابهاً في سلسلة الحمض النووي.
  3. بالتالي فإن التطور صحيح.

لكن يوجد العديد من الأسباب التي قد تتسبب بالتشابه بين سلاسل الحمض النووي للكائنات الحيّة. مثلاً، جميع الكائنات تمتلك خالقاً واحداً، أو أن التشابه هذا هو ناتج عن التشابه في الكيمياء الحيوية.

  1. إن كان الإنفجار الكوني الكبير صحيحاً، فإننا سنتوقع وجود أمواج الإشعاعات الكهرومغناطيسية الكونية (CMB).
  2. نحن نجد أمواج الإشعاعات تلك (CMB).
  3. وبالتالي فإن الإنفجار الكوني لابد أن يكون صحيح.

إن هذا ارتكاب لمغالطة التأكيد من خلال الناتج. فيوجد أسباب كثيرة تفسر وجود الإشعاعات الكهرومغناطيسية المذكورة (CMb) ولا علاقة لها بالإنفجار الكوني الكبير.

  1. إن كان التطور صحيحاً فإننا سنتوقع وجود سلاسل منطقية للمستحاثات في الطبقات الصخرية.
  2. إننا بالفعل نجد أن سلاسل من المستحاثات في الطبقات الصخرية.
  3. بالتالي فإن التطور صحيح.

لكن وبناءً على النموذج الذي قد ينتج عن الطوفان، فإن الخلقيّين سوف يتوقعون وجود مثل هذه السلاسل من المستحاثات في الطبقات الصخرية. وبالتالي فإنه يمكن الجدل بأنَّ الخلق لابد أن يكون صحيحاً للأسباب عينها.

المثال الرابع

  1. إذا كان أ صحيحاً فإن ب سيكون صحيحاً.
  2. إنَّ أ ليس صحيح.
  3. وبالتالي فإن  ب هو الآخر ليس صحيح.

إن نفي المُسبِّب أ هو ما يؤكد نفي الناتج وبالتالي فإنَّ هذا النوع يُعرف باسم النفي من خلال المُسبِّب.

ولنستبدل الرموز بفروض واقعية:

  1. إن كانت الثلج يتساقط، فلابد أن يكون الطقس بارداً في الخارج.
  2. إن الثلج لا يتساقط.
  3. وبالتالي فإن الطقس ليس بارداً في الخارج.

إن خطأ هذا الجدل هو شديد الوضوح، إذ أنَّ عدم تساقط الثلوج لا يعني أنَّ الطقس لا يمكن أن يكون بارداً في الخارج.

ولننظر في بعض الأمثلة التطورية عن هذا النوع من الجدلات:

١. إن وجدنا مستحاثات للبشر والديناصورات متموضعة في نفس الطبقة الصخرية، فإن هذا سيشير إلى أن البشر والديناصورات قد وجدوا في وقت واحد.

٢. نحن لا نجد مستحاثات للبشر والديناصورات في نفس الطبقة الصخرية.

٣. وبالتالي فإن البشر والديناصورات لم يوجدوا في وقت واحد.

إن هذا الجدل يرتكب مغالطة نفي المُسَبِّب. فيوجد عدد من الأسباب التي تدفعنا إلى عدم توقع وجود مستحاثات للبشر والديناصورات في مكان واحد، (على سبيل المثال، إن كانوا بشكل قياسي قد عاشوا في أقاليم مختلفة).

١. إن وجدوا الفُلك الذي بناه نوح، فإن ذلك سيُظهِر أن سفر التكوين يقدم تاريخاً حقيقيّاً.

٢. لكنهم لم يجدوا الفُلك الذي بناه نوح.

٣. لذلك فإن سفر التكوين ليس حقيقيّ.

لمجرد أنه لم يتم تحديد مكان قطعة أثرية قديمة فإن ذلك لن يعني أنها لم توجد. وبالتالي فإن هذا الجدل مغلوط.

يوجد حيلة لطيفة لتساعد على التمييز بين الجدلات الصالحة وغير الصالحة وهي من خلال رسم جدول كالتالي:

ومن ثمَّ نقوم باختصار أسماء أنواع الجدالات الأربعة كما هو وارد في العمود الثالث من الجدول السابق: ت.ف تشير إلى تأكيد الفرض، ت.ن تأكيد الناتج، ن.ن نفي الناتج، ن.ف نفي الفرض.

فنجد أن الإختصار الذي يمتلك ن واحدة هو مغلوط.

إضافة ”ربّما...“

البعض من أكثر الجدالات استخداماً للتطور ليست إلا مغالطة التأكيد من خلال النتائج. إنها شديدة التكرار. وبالتالي فإنه ليس مستغرباً ألا يكون التطوريّون فرحين حين يرون طبيعة جدالاتهم المغلوطة وهي تتكشف للعلن.

لذلك قام البعض من التطوريّين بمحاولة الرد والدفاع عن جدالاتهم التي تعتمد على التأكيد من خلال الناتج. في العديد من تلك الردود قام التطوريّون بالإعتراف بأن تلك الجدالات هي بالفعل تعتمد مغالطة التأكيد من خلال الناتج؛ لكنهم في الوقت عينه ادّعوا أنه باعتبار أنهم فقط كانوا يجادلون بأن التطور غالباً سيكون صحيحاً (وليس بشكل حتمي)، فإنهم لم يرتكبوا مغالطات. يمكن القول بأنهم وبشكل أساسي قد حاولوا أن ينتشلوا أنفسهم من المستنقع الذي سقطوا فيه من خلال إضافة كلمة ”ربما“ إلى الإستنتاج، وبذلك يحولون الجدل إلى جدل استقرائي. وبكلمات أُخرى يمكن القول بأن الجدل أصبح بالشكل التالي:

  1. إن كان التطور صحيحاً، فإننا سوف نتوقع بأن نجد تشابهاً في سلاسل الحمض النووي للكائنات الحيّة على الأرض.
  2. نحن نجد تشابهاً في سلاسل الحمض النووي للكائنات الحية على الأرض.
  3. بالتالي فإن التطور غالباً سيكون صحيح.

لكن هل سيكون تحويل الجدل إلى النوع الإستقرائي أدى إلى تحويله إلى جدل مُقنِع؟ فلنأخذ مثالاً آخر لنرى إن كانت كلمة ”ربما“ ستجعل منه مقنعاً:

  1. إن كان القمر مصنوعاً من اللمبات الكهربائية فإنه سوف يكون برّاقاً.
  2. إن القمر برّاق.
  3. وبالتالي فإنَّه ربما يكون مصنوعاً من اللمبات الكهربائية.

من المؤكد أن إضافة ”ربما أو غالباً“ إلى الإستنتاج لن يزيد من احتمالية صحة الإستنتاج. وبالتالي فإن الجدالات التطورية لاتزال مغلوطة. إن التشابه في سلاسل الحمض النووي وأمواج الإشعاعات الكهرومغناطيسية الكونية (CMB) لا يقدمان جدلاً مقنعاً للتطور أو الإنفجار الكبير. وبما أنه قد تحويل الجدل من استنتاجي إلى استقرائي من خلال إضافة كلمة ”ربما“ فيمكننا القول بأنه غالباً ما تقع هذه الجدالات ضمن فئة المغالطات من نوع التعميم المتسرّع التي سوف نقوم بتقديمها لاحقاً.

بالرغم من هذا فإننا لا زلنا نشاهد العلماء المعاصرين يستخدمون نوعاً من أنواع مغالطة التوكيد من خلال الناتج أثناء مقارباتهم. حيث يقومون بوضع صيغة افتراضية (أ)، والتي تعطي توقعاً بنتيجة محتملة ومحدَّدة (ب). ومن ثم يقومون بإجراء اختبار أو تجربة تؤكد أو تقوم بنفي (ب). فإن تم التأكيد على النتيجة المتوقعة من الفرضية، أن يقدّم ذلك إسناداً لما تقوله الفرضية؟ أليس هذا هو نموذج الأساليب العلمية؟ إن هذا يبدو مغلوطاً، وهذا الأمر يقودنا لأن نسأل السؤال التالي: هل تعتمد الأساليب العلمية على مغالطة التأكيد من خلال الناتج؟

لقد عانى الفلاسفة المعاصرون من هذه المشكلة تحديداً. إذ أنَّ الأساليب العلمية تبدو وكأنها غير صالحة بناءً على المنطق الرسمي، وبالرغم من ذلك فإنها ناجحة. فكيف نفسّر ذلك؟

وفقاً للرؤية العلمانية للعالم، فإن جميع أنواع العلم (سواء كان العلم التجريبي، أو المتعلق بالأصول) هي مغلوطة؛ وبالتالي فإنه ليس من تفسير عقلاني للنجاح الذي يحققه العلم، أو أي مبرر لمتابعة استخدام الرؤية العلمانية للعالم. إلا أنَّ المسيحيّين يستطيعون أن يجيبوا على هذا السؤال.

وفق الرؤية المسيحية للعالم، يوجد نوع من الإنتظام الكامن للكون لأن الله (الذي لا يخضع للزمان أو المكان) يدير ويقود الزمان والمكان بطريقة متسقة وذلك لصالحنا. ولذلك فإن بعض الأشياء سوف تكون ثابتة عبر الزمن أو في الفضاءات المختلفة (قوانين الفيزياء، هي مثال عن ذلك). وبالرغم من ذلك فإن الله يسمح أيضاً بوجود ظروف مختلفة في أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة. لذلك فإن بعض الأشياء سوف لن تكون ثابتة عبر الزمن أو المكان (مثل درجات الحرارة). فإنه من خلال إجراء تجارب مختلفة في أزمنة وأماكن مختلفة، نحن قادرون على أن نتعلم كيفية التمييز بين تلك الأشياء المتسقة بناءً على إدارة الله وقدرته (مثل قوانين الطبيعة)، وبين تلك الأشياء التي تتغير (درجات الحرارة والظروف المناخية). ويمكننا أن نقوم برسم نماذج لذلك ونعتمد على الإتساق الذي للله، ومن ثم نقوم باختبار تلك النماذج في ظروف متنوعة. والنجاحات المتكرّرة سوف تشير إلى أن النموذج الذي قد رسمناه يميل لأن يكون صحيحاً أكثر من النماذج الأُخرى ذات النجاحات الأقل.

وبالتالي فإن النموذج العلمي في ضوء الرؤية المسيحية للعالم، يحقق الكثير من التوقعات الناجحة والمحدَّدة في ظروف مختلفة، ويتفوق على العديد من النماذج الأُخرى المنافسة، وبالتالي فإنه بالحقيقة يميل لأن يكون تقريب جيد للطريقة التي يعمل بها الكون. لاحظ أن التطور لا يقوم حقاً بأي توقّع محدَّد، والتوقعات المُبهمة التي يقدمها، إنما هي مُتَوَقَّعة في النموذج الخلقيّ مثل أننا سنتوقع وجود تشابه في سلسلة الحمض النووي إذ أنَّ الخالق واحد.

إن الأساليب العلمية تمتلك معنى في ضوء الرؤية المسيحية للعالم، لأننا نعتمد على وعود الله لنا بأنه سوف يدير الكون بطريقة متسقة حتى نكون قادرين على التعلم من خلال التجربة. إلا أنه لا يوجد أي تفسير للعلم وفق الرؤية التطورية للعالم لأنه لا يوجد أي أساس للاستقراء.

لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع بامكانكم تحميل كتاب الدليل الحاسم للخلق التوراتي المُتَوَفّر بصيغة رقمية ومجانية عبر موقعنا.