مغالطات أُخرى: الجزء الثالث

مغالطات أُخرى: الجزء الثالث

Cover Image for: other-fallacies-3

سوف نتعامل في هذه الدراسة مع الجزء الأخير من المغالطات المنطقية التي قد لا تتكرر بشكلك دائم إلا أن هذا لا يقلّل من أهميتها وضرورة التنبه إليها وكشفها في حال ارتُكِبَت.

الإلتماس الخاطئ للخوف / القوة - The Faulty Appeal to Force/Fear

تحدث حين يقوم شخص بالجدال دفاعاً عن موقف معين على قاعدة الضرر الذي قد ينجم إن لم تؤيّد ذلك الموقف. على سبيل المثال، تخيل أحد المحامين يجادل: ”أيها السيدات والسادة أعضاء هيئة المحلّفين، يجب أن تحكموا بأن المتهم مذنب بجريمة القتل، وإلا فإنكم قد تكونون ضحيّته التالية!“ بالطبع إن هذا التهديد لا علاقة له بكون المتهم مذنباً أم لا، وبالتالي فإن هذا الجدل مغلوط. بالطريقة عينها، يتم الضغط على التلاميذ ليؤمنوا بالتطور على قاعدة أنهم إن لم يفعلوا ذلك فإنه لن يتم قبولهم في أي من الجامعات المرموقة، أو أنه سيتم رفضهم بعد التخرج. كما أنه يتم الضغط على المعلمين ليقوموا بتعليم التطور فقط، وإلا فإنه سيتم حرمانهم من التعليم. ويتم منع معلمي المدارس الثانوية من مناقشة موضوع الخلق حيث يتم تهديدهم بإتخاذ اجراءات قضائية. وجميع هذه الأمثلة تتبع ذات الأسلوب المغلوط: ”يجب أن تؤمن بما أؤمن به، وإلا فإنك ستواجه العواقب!“ وكما يعلق كوبي وكوهين قائلين: ”إن التماس القوة هو تخلي عن المنطق؟“

كوبي وكوهين، مقدمة إلى المنطق، النسخة العاشرة (طبعة: Upper Saddle River, NJ: Prentice Hall, 1994) صفحة ١٧٢

التماس المشاعر - The Appeal to Emotion

هي المغالطة التي تحدث حين تجري محاولة إقناع الناس من خلال استعمال المشاعر الجيّاشة عوضاً عن تقديم قضية منطقية. إن الخطابات الحماسية التي تتبع عادة بعاصفة من التصفيق من قبل الحضور هي مثال عن هذه المغالطة، حيث نجد أنَّه لم يتم تقديم أيّ قضية أو جدل منطقيّ. وكمثال على ذلك، قد يحاول التطوري أن يُدين الخلقي من خلال القول:

إن كنت تؤمن حقاً بالكتاب المُقدَّس، فإنك تؤيِّد العبودية ورجم الأولاد المتمرّدين كما يعلِّم الكتاب المُقدَّس.

إن هذا الأمر إنما هو مغلوط لأن المعترض يحاول أن يفتعل ردّ فعل عاطفي عوضاً عن تقديم جدل منطقي من خلال التلاعب بالمشاعر المضادة للعبودية الوحشية والعقوبات القاسية.

في الحقيقة إن نظام العبودية الذي يوجد في الكتاب المقدس لا علاقة له بالصورة النمطية عن العبودية التي تتغلغل في الذهنية المعاصرة كنتيجة للتاريخ الحديث. إنما نظام العبودية التوراتي كان نظاماً كريماً قد تم تصميمه لمساعدة الأشخاص المتهورين للخروج من ديونهم ويتحولوا إلى أشخاص يمكن الإعتماد عليه مالياً. إضافةً إلى أنَّ رجم الإبن المتمرّد يطبق فقط في حالة عدم إمكانية تصويبه (بعد رفضه التأديب المتكرر) واستحضار الكثير من الضرر والأذى إلى عائلته والآخرين.
من خلال الربط الخاطئ بين المفاهيم المعاصرة مع المفاهيم التوراتية لهذه الأمور، يحاول التطوريّ أن يقنع الناس من خلال التلاعب بمشاعرهم وليس من خلال تقديم جدل منطقي.

التماس الشفقة - The Appeal to Pity

هي نوع محدد من التماس المشاعر وتحدث حين يحاول المجادل أن يقنع الأشخاص بقبول موقفه من خلال استحداث نوع من التعاطف مع أولئك الذين يتخذون الموقف عينه. التطوريّين الربوبيّين قد يستعملوا هذا الأسلوب حين يقدمون قضيتهم على أساس سوء المعاملة الذي تعرضوا له من قبل الخلقيّين، أو مدى صعوبة التقدم والعيش في منطقة تعجّ بالمسيحيّين. بالرغم من أن هذه الأمور قد تكون صحيحة، إلا أنه لا علاقة لها بحقيقة الموقف الذي يدّعيه.

إن عبثية التماس الشفقة هي من خلال الحكاية المعروفة عن الابن الذي قتل والديه مستعملاً فأس، وحين وجد أنه سوف تتم إدانته، التمس الغفران على قاعدة أنه كان يتيماً!

التماس الجهل - The Appeal to Ignorance

هي مغالطة التماس غير المعروف؛ وبصورة أدق؛ حين يحاول الشخص أن يجادل بأن الموقف غالباً ما يكون صحيحاً لمجرد أنه لم يتم إثبات خطأه. على سبيل المثال:

يجب أن يوجد حياة في الفضاء الخارجي، فنحن نعرف أنه ما من أحد قد أثبت عدم وجودها.

بالطبع أنه لمجرد عدم إثبات أن أحد الأشياء خاطئ لا يعني ذلك بالضرورة أنَّه صحيح. إن التماس الجهل هي مغالطة تعسّفية، ويمكن دوماً تقديم المعاكس لها. فيمكن الرد بأنَّه:

لا يمكن أن توجد حياة في الفضاء الخارجي، فنحن نعرف أنَّه ما من أحد قد أثبت وجودها.

المغالطات الطبيعية - The Naturalistic Fallacy

هي الجدل بأنه بما أن أحد الأشياء يجري بطريقة معينة، فإنه من المقبول أخلاقياً أن يتم بتلك الطريقة.

إن المغالطات الطبيعية تخلط بين ما هو جاري وما يجب أن يجري. وكمثال على ذلك:

يوجد الكثير من الأشخاص المدخنين، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون التدخين خاطئاً.

إن هذا الجدل إنما هو جدل مغلوط لأن الطريقة التي تجري وفقها الأمور لم تكن دائماً هكذا. إن هذه المغالطة ترتكب بشكل متكرر في الجدل حول الأصول حين يتم التعامل مع موضوع الأخلاق. فكما أشرنا في مرّات عديدة إلى أن مفهوم الأخلاق الموضوعية المطلقة لا أساس له في الرؤية التطورية للعالم. لكن بعض التطوريّين قاموا بالرد بالقول:

إن القانون الأخلاقي يحمل قيمة إيجابية تساعد على البقاء على قيد الحياة بالنسبة للأنواع. وبالتالي فإن هذا يفسر سبب وجود الأخلاق.

ولكن (وعلى سبيل الجدال فقط) هذا الردّ قد يفسر سبب تصرف بعض الأشخاص بطريقة معينة، إنما إنه لا يفسر سبب وجوب تصرّف الأشخاص بطريقة معينة.

المغالطات الأخلاقية - The Moralistic Fallacy

هي المغالطات التي تخلط فيما بين ما يجب أن يتمّ وبين ما هو جاري، لكن بأسلوب معاكس للمغالطات الطبيعية. فيؤكد المجادل بأنه لمجرد أن شيئاً ما يجب أن يتم بطريقة معينة، فإنَّه سوف يتمّ بتلك الطريقة.

إن كنت قد قمت بالعبور من ممر المشاة حين تكون إشارة العبور للمشاة خضراء ودون أن تنظر إلى كلا الجانبين فأنت قد ارتكبت هذه المغالطة تحديداً. حيث أنك قد افترضت بأنه لمجرد أنه سوف يكون من غير المقبول أن يعبر أحد سائقي المركبات التقاطع حين تكون إشارة المرور للمركبات حمراء، فإنالجميع سوف يلتزمون. وهذا الأمر ليس بالضرورة صحيح.

مغالطة المغالطة - The “Fallacy Fallacy”

هي الخطأ بالإعتقادر بأن الإدعاء خاطئ لمجرد أن الجدل الذي تم تقديمه للدفاع عن ذلك الموقف كان مغلوطاً. فالجدل السيء قد يحمل استنتاج جيد وذلك من خلال المصادفة. على سبيل المثال:

قد كنت مريضاً وصلّيت إلى الله. وبما أنني قد شُفيت فهذا دليل  على وجود الله.

إن هذا الجدل مغلوط (وهو نوع من المغالطات الرسمية التي تحمل اسم التأكيد من خلال الناتج.) لكن إن قام شخص ما بالرد،

إن هذا الجدل سيء للدفاع عن الله. وبالتالي فإن الله غير موجود.

سيكون هذا ارتكاب لمغالطة المغالطة.

عادة ما يتم إغفال ذكر الإستنتاج في هذا النوع من المغالطات إلا أنَّه متضمن في الطرح. فإنه إن تم ذكره بشكل صريح فإن المغالطة ستكون مكشوفة.

ملاحظة ختامية

إنه لِزامٌ على المسيحيّين أن يكونوا عقلانيين - ليطوعوا أفكارهم لتماثل أفكار الله (أشعياء ٥٥: ٧-٨). فإنه يجب علينا أن نتمثل به (أفسس ٥: ١) وأن نفكر بطريقة متسقة مع طبيعة الله المنطقيّ (رومية ١٢: ٢). ليس فقط أننا ننتمي إلى الله لأننا خليقته، بل  وهو قد خلّصنا بابنه الوحيد . والتزامنا نحو المسيح يجب أن يمتد إلى جميع نواحي حياتنا. فيجب أن نحب الرب إلهنا من كل قلبنا وفكرنا وقدرتنا وروحنا (لوقا ١٠: ٢٧).

الفئات

المنطق

مواضيع أخرى