الإعتراض ٠١٣، كم كانت مُدَّة العبودية في مصر؟

Cover Image for: objection013

تكوين ١٥: ١٣ تقول ٤٠٠ سنة في حين أن سفر الخروج ١٢: ٤٠ ورسالة غلاطية ٣: ١٧ تقولان ٤٣٠ سنة.

تكوين ١٥: ١٣ ”فَقَالَ لأَبْرَامَ: «اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ.“

خروج ١٢: ٤٠ ”وَأَمَّا إِقَامَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أَقَامُوهَا فِي مِصْرَ فَكَانَتْ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً.“

غلاطية ٣: ١٧ ”وَإِنَّمَا أَقُولُ هذَا: إِنَّ النَّامُوسَ الَّذِي صَارَ بَعْدَ أَرْبَعِمِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، لاَ يَنْسَخُ عَهْدًا قَدْ سَبَقَ فَتَمَكَّنَ مِنَ اللهِ نَحْوَ الْمَسِيحِ حَتَّى يُبَطِّلَ الْمَوْعِدَ.“

ارتكب المعترض مغالطة الفروع كما أنه فشل في القيام بقراءة دقيقة للنص.

لا يوجد في أي من الآيات التي قام المُعترض بسردها تحديد لمدّة العبودية إنما هي تحدد المدة التي قضاها ابراهيم و/أو  نسله كغرباء في أرضٍ ليست لهم (جزء منها فقط كان في مصر).  لكن هل كانت ٤٠٠ سنة (كما في التكوين ١٥: ١٣) أو ٤٣٠ سنة (كما في الخروج ١٢: ٤٠؛ غلاطية ٣: ١٧)؟

من المؤكد أن ٤٠٠ هي جزء من ٤٣٠ وبالتالي فإنه ليس بتناقض إنما وقوع لمغالطة الفروع التي ذكرناها. كما أنه ببساطة يمكن القول أنه قد تم تدوير الرقم إلى أقرب مئة وهو سيكون أمراً مقبولاً. لكن يوجد المزيد ليقال في هذا المقام.

بدايةً، إن الأربعمئة سنة تشير إلى الوقت الذي سيقضيه نسل ابراهيم ”غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ“ (تكوين ١٥: ١٣)- وهذا ليس مجرّد جزء من الوقت الذي سيُقضى في العبودية في مصر. كما أن القراءة الدقيقة للنص في تكوين ١٥: ١٣ تُظهر أنَّ هذا الزمن يشير إلى الوقت الذي سيقضيه نسل ابراهيم كغرباء في أرض ليست لهم. وبالتالي فإن ٤٠٠ سنة تشير إلى الوقت من اسحق ابن ابراهيم إلى الخروج من مصر، وهي لا تحتسب الوقت بين إقامة ابراهيم كغريبٍ في الأرض. أما من وقت اسحق إلى الخروج هي تحديداً ٤٠٥ سنوات/ وقد تمَّ تدويرها وسجلت على أنها ٤٠٠.

بولس في رسالته إلى أهل غلاطية ٣: ١٧، يشير إلى ٤٣٠ سنة تفصل بين وقت الوعد الذي أُعطي لابراهيم (غلاطية ٣: ١٦) وإعطاء الشريعة، وهو الأمر الذي وقع تقريبا في وقت الخروج.

إن الوعد قد أُعطي لابراهيم قبل ٢٥ سنة من مولد اسحق (تكوين ١٢: ١-٤، ١٧: ٢١-٢٤). وكان ذلك قد وقع في وقت سابق حيث أن ابراهيم قد غادر أرضه وتغرَّب في الأرض. وبالتالي فإننا حين نشمل ابراهيم في الحساب  إنما تشمل ابراهيم أيضاً حيث نقرأ في تكوين ١٢: ١٠ ”وَحَدَثَ جُوعٌ فِي الأَرْضِ، فَانْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ، لأَنَّ الْجُوعَ فِي الأَرْضِ كَانَ شَدِيدًا.“ نجد أن العبرانيين قد سكنوا في أرض ليست لهم لمدة ٤٣٠ سنة. وعلى ما يبدو أن موسى في الخروج ١٢: ٤٠ تشمل الوقت الذي قضاه ابراهيم متغرّباً في أرضٍ غريبة، وهو ما تشير إليه المخطوطة السامرية.  إذ أنَّه بحسب لغة العهد القديم إن كلمة اسرائيل لا تشير فقط إلى يعقوب والأسباط الإثني عشر، ذلك أن ابراهيم هو من تلقى الوعد من الله وليس اسرائيل لكننا نجد أن موسى يشير إلى اسرائيل على أنَّه تلقى الوعد. فاسرائيل كأمّة قد بدأت مع ابراهيم وليس مع يعقوب!

وبالتالي، وخلافاً للمعترض، فإن الكتاب المُقدَّس كان دقيقاً في التفاصيل.


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

وهي الخطأ في الإدّعاء بكون ”أ“ و ”ب“ هما متناقضين في حين أن ”أ“ هو فرع من ”ب“ أو العكس بحيث أن ”ب“ فرع من ”أ“ وبالتالي فإن كل من الحدثين هما متوافقين. على سبيل المثال إن ٥ هي فرع من ١٠ وبالتالي فإنَّ تصريحي بأنّ ”لدي خمسة أصابع“ لا يتناقض مع تصريحي بأن لدي ”عشرة أصابع“ حيث أن خمسة أصابع انما هي فرع من عشرة . أي أن كل شخص لديه عشرة أصابع فهو بالضرورة يمتلك خمسة أصابع (بالإضافة إلى خمسة أصابع إضافيّة). في الحقيقة أنَّ مغالطة الفروع هي أحد أنواع مغالطات الإحتجاج من الصمت، فحقيقة كون أن أحد كُتَّاب الوحي المُقدَّس لم يقم بتسجيل حدث من الأحداث أو لم يذكر أحد الأشخاص في تسجيله عن الأحداث فذلك لا يعني أنه لم يحدث أو أنَّ الشخص لم يوجد. بالتالي، واحد من الكُتَّاب قد يُصرّح بأن يسوع قد شفى شخص لديه مسّ شيطاني في حين أن كاتباً آخر قد يسجل أنَّه قد شفى شخصين. وهذا ليس بتناقض فعلى اعتبار أن يسوع قد شفى شخصين فهو بالضرورة قد شفى شخصاً واحداً (بالإضافة إلى شخص آخر.) فالكاتب الأول لم يذكر الشخص الثاني لأي سبب من الأسباب (ربما يكون الشفاء الثاني أقلّ أهمية من أن يذكر)، لكن هذا لا يعني بأنَّه لم يحدث. أما لو أن الكاتب الأول قد صرَّح بأن يسوع قد قام بشفاء شخص واحدٍ فقط، والكاتب الثاني صرَّح بأن يسوع قام بشفاء شخصين في الوقت عينه وبالمعنى ذاته، حينها سيكون لدينا مشكلة تناقض. لكن لا يوجد أي مشكلة مشابهة لذلك في النصوص المقدسة.

القراءة غير الدقيقة للنصوص هو خطأ شائع يحدث حين يقوم الناقد بقراءة النصوص بطريقة سطحية ودون بذل أي مجهود لمحاولة فهم النصوص ضمن سياقها النصّي والتاريخي والأدبي. وهي فشل في قراءة النصّ بطريقة تتوافق مع الأسلوب الأدبي الذي كُتب به. فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أساليب مختلفة في الكتابة مثل: التاريخ (التكوين، الخروج، الملوك)، الشعر (المزامير، نشيد الأنشاد، الأمثال)، النبوءات (حزقيال، رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الأمثال (أمثال المسيح في الأناجيل). ولا يمكن أن يتم تفسيرها جميعاً بأسلوب واحد. فالشعر بالعادة يحتوي على الصور الأدبية والتعبيرات المجازية، في حين أن السرد التأريخي يقرأ بطريقة حرفية. ومن عدم الأمانة للنص أن يتم تفسير النص المكتوب بطريقة شعرية على أنه سرد تأريخي أو تفسير السرد التأريخي على أنه شِعر. فعلى سبيل المثال، حين يتسائل كاتب المزمور عن سبب عم إجابة الله للصلاة؟ لماذا ينام الرّب؟، لا يجب أن يتم أخذ معنى ”النوم“ في هذه الحالة على أنّه نوم حرفي وإلا يعتبر هذا تفسيراً غير واعياً للنص ويفتقر للأمانة. ولكننا نجد البعض من الناقدين يستعملون هذا النوع من الأخطاء كما في #٤٠٠. سوف نجد العديد من الأخطاء التي تُرتَكَب من قِبَل الناقدين والتي يمكن وصفها بكل بساطة على أنَّها ”فشل في قراءة النص بتأنٍّ وانتباه.“ حيث أنَّه وعلى ما يبدو أن الناقد قد قرأ النص بشكل معزول وخارج سياقه، الأمر الذي قاده إلى الخروج بتفسير لا يمكن للقارئ الحذر أن يخرج به. فإنه سيكون من السُّخف القول بأنَّ ”الكتاب المُقدَّس يقول بأنَّه ليس إله من المزمور ١٤: ١“ ذلك أنَّ سياق الآية يقول بأنَّ ” قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ».“ بالرغم من وضوح الأمر إلا أننا نجد عدداً من النُّقاد يسقطون في أخطا. إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الناقدين لا يمكن أن يتمّ وصفها إلا بأنَّها ”خداع.“، وهي تلك الحالات التي لا يوجد أي نوع من التناقض الظاهري بين الآيات. وإنَّ أي شخص عقلاني سيلاحظ ذلك حتى من القراءة الأولى للنص، بالرغم من ذلك نجد أنّ هذا النوع من التناقضات المفترضة مُدرَج على لوائح تناقضات الكتاب المُقدَّس، التي يمكننا أن نقول عنها بأنها لوائح مُخادعة قام بوضعها النقّاد آملين في أنَّها سُتبهر من يطَّلع عليها فلا يقوم بمراجعتها. وللأسف هذا ما يحدث في كثير من الحالات.