الإعتراض ١٢٧، متى وقعت حادثة شفاء الأعمى التي جرت بالقرب من مدينة أريحا؟

Cover Image for: objection127

يقول المعترض بأنَّ متى ٢٠: ٣٠ ؛ مرقس ١٠: ٤٦ تقولان بأنَّها قد حدثت عندما غادر يسوع المدينة، في حين أن لوقا ١٨: ٣٥ تقول بأنَّ المعجزة تمت قبل أن يدخل يسوع إلى المدينة.

متى ٢٠: ٢٩-٣٠ ”وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ مِنْ أَرِيحَا تَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَإِذَا أَعْمَيَانِ جَالِسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ. فَلَمَّا سَمِعَا أَنَّ يَسُوعَ مُجْتَازٌ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: «ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!»“

مرقس ١٠: ٤٦ ” وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ، كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى ابْنُ تِيمَاوُسَ جَالِسًا عَلَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. “

لوقا ١٨: ٣٥ ”وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا كَانَ أَعْمَى جَالِسًا علَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي.“

إن هذا الإعتراض مبني على الفشل في القراءة الدقيقة للنص وعدم الرجوع إلى النص بلغته الأصلية.

إن معجزة الشفاء قد وقعت عندما كان يسوع يغادر مدينة أريحا وهذا ما يرد في متى ٢٠: ٢٩-٣٤؛ مرقس ١٠: ٤٦-٥٢. أما ما يدوِّنُهُ لوقا البشير فُيعلِمُنا من خِلالِه بأنَّ واحداً من بين الأعميان كان يستعطي في الوقت الذي كان يسوع قد ”اقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا“ (لوقا ١٨: ٣٥).
الكثير من الأشخاص حين يقرأون هذه الآيات يعتقدون بأنَّ يسوع كان في طور الدخول إلى مدينة أريحا وليس أثناء خروجه منها. إلا أن النص اليوناني للوقا ١٨: ٣٥ لا يشير إلى توقيت الواقعة بل يشير إلى مكان الواقعة حيث أنَّ الفعل المستخدم هو ”ἐγγίζω ويُقرأ إِنغِيتزو“.
وهذا الفعل يشير إلى التواجد بالقرب من شيء آخر. أي أن لوقا يقول بأنَّ يسوع كان بالقرب من مدينة أريحا دون أن يُحدِّد فيما إن كان في طريق الدخول أو الخروج من المدينة، والواضح هو أن غايته هي الإعلان عن نتائج هذا اللقاء ألا وهي معجزة شفاء الأعمى الذي كان يستعطي. وكما هو معروف عن لوقا فإنَّه لم يقم بتسجيل الأحداث وفق تسلسلها الزمني. أي أنَّ لوقا قدَّم تقريراً عن معجزة شفاء الأعمى قبل أن يذكر الأحداث التي جرت قبلها في مدينة أريحا.


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

القراءة غير الدقيقة للنصوص هو خطأ شائع يحدث حين يقوم الناقد بقراءة النصوص بطريقة سطحية ودون بذل أي مجهود لمحاولة فهم النصوص ضمن سياقها النصّي والتاريخي والأدبي. وهي فشل في قراءة النصّ بطريقة تتوافق مع الأسلوب الأدبي الذي كُتب به. فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أساليب مختلفة في الكتابة مثل: التاريخ (التكوين، الخروج، الملوك)، الشعر (المزامير، نشيد الأنشاد، الأمثال)، النبوءات (حزقيال، رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الأمثال (أمثال المسيح في الأناجيل). ولا يمكن أن يتم تفسيرها جميعاً بأسلوب واحد. فالشعر بالعادة يحتوي على الصور الأدبية والتعبيرات المجازية، في حين أن السرد التأريخي يقرأ بطريقة حرفية. ومن عدم الأمانة للنص أن يتم تفسير النص المكتوب بطريقة شعرية على أنه سرد تأريخي أو تفسير السرد التأريخي على أنه شِعر. فعلى سبيل المثال، حين يتسائل كاتب المزمور عن سبب عم إجابة الله للصلاة؟ لماذا ينام الرّب؟، لا يجب أن يتم أخذ معنى ”النوم“ في هذه الحالة على أنّه نوم حرفي وإلا يعتبر هذا تفسيراً غير واعياً للنص ويفتقر للأمانة. ولكننا نجد البعض من الناقدين يستعملون هذا النوع من الأخطاء كما في #٤٠٠. سوف نجد العديد من الأخطاء التي تُرتَكَب من قِبَل الناقدين والتي يمكن وصفها بكل بساطة على أنَّها ”فشل في قراءة النص بتأنٍّ وانتباه.“ حيث أنَّه وعلى ما يبدو أن الناقد قد قرأ النص بشكل معزول وخارج سياقه، الأمر الذي قاده إلى الخروج بتفسير لا يمكن للقارئ الحذر أن يخرج به. فإنه سيكون من السُّخف القول بأنَّ ”الكتاب المُقدَّس يقول بأنَّه ليس إله من المزمور ١٤: ١“ ذلك أنَّ سياق الآية يقول بأنَّ ” قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ».“ بالرغم من وضوح الأمر إلا أننا نجد عدداً من النُّقاد يسقطون في أخطا. إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الناقدين لا يمكن أن يتمّ وصفها إلا بأنَّها ”خداع.“، وهي تلك الحالات التي لا يوجد أي نوع من التناقض الظاهري بين الآيات. وإنَّ أي شخص عقلاني سيلاحظ ذلك حتى من القراءة الأولى للنص، بالرغم من ذلك نجد أنّ هذا النوع من التناقضات المفترضة مُدرَج على لوائح تناقضات الكتاب المُقدَّس، التي يمكننا أن نقول عنها بأنها لوائح مُخادعة قام بوضعها النقّاد آملين في أنَّها سُتبهر من يطَّلع عليها فلا يقوم بمراجعتها. وللأسف هذا ما يحدث في كثير من الحالات.

إن الفشل في اجراء تحليل للنقل النصي هو ما يعرف (بالنقد النصي) وهو علم تمييز النص الأصلي للنص المُقدَّس حيث أنه يوجد يوجد بعض الإختلافات فيما بين المخطوطات الأثرية للكتاب المقدس، وهذه الإحتلافات محدودة من حيث الكم ومن حيث النوعية. والمسيحيين يدَّعون بأن النص الأصلي للكتاب المقدس معصوم عن الخطأ كون الكُتَّاب كانوا مُساقين بالروح القُدُس وبالتالي لا يوجد فيه أية أخطاء أو تناقضات. نحن نعرف بأن عملية نسخ نص الكتاب المقدس عبر العصور ليست مثالية بشكل مطلق، ويوجد بعض الأخطاء النسخية التي تتسبب بوجود اختلافات طفيفة في بعض المخطوطات القديمة. ان هذه الإختلافات هي صغيرة جداً لكنها موجودة. في بعض الأحيان يلجأ الناقدون إلى الإشارة إلى هذه الأخطاء النسخية في المخطوطات المختلفة ويدَّعون بأن هذا يتناقض مع نص آخر حيث لم يتم ارتكاب خطأ مشابه في النسخ. ولكن هذا لا يعتبر تناقض حقيقي في النص الأصلي للكتاب المُقدَّس. وحتى يتم قبول هذا الادعاء على أنَّه تناقض حقيقي يتوجب على الناقد أن يُظهِر أن هنالك دليل حقيقي على أن هذا ليس مجرد خطأ في نسخ نص المخطوطة الأصلية وبأنَّه يتناقض مع النص الأصلي. وهذا النوع من الأخطاء في النسخ ليس أمراً شائعاً كما يتم الترويج له.