الإعتراض ٢٥٦، هل يجب علينا أن نُحاول إرضاء الآخرين؟

Cover Image for: objection256

يعتقد الناقد بوجود تناقض بين رسالة غلاطية ١: ١٠ وبين كل من رومية ١٥: ٢ وكورنثوس الأولى ١٠: ٣٣.

أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ. غلاطية ١: ١٠

فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ، لأَجْلِ الْبُنْيَانِ. رومية ١٥: ٢

كَمَا أَنَا أَيْضًا أُرْضِي الْجَمِيعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ طَالِبٍ مَا يُوَافِقُ نَفْسِي، بَلِ الْكَثِيرِينَ، لِكَيْ يَخْلُصُوا. كورنثوس الأولى ١٠: ٣٣

إن الناقد قد ارتكب في اعتراضه هذا مغالطة التعميم الواسع النطاق بالإضافة إلى عدم قراءة النصوص بطريقة أمينة ودقيقة. إنَّه لمن الواجب على المسيحيّ أن يبحث عن السلام مع الآخرين إن كان ذلك الأمر ممكناً، وهذا ما تتم الإشارة إليه في الرسالة إلى العبرانيين ١٢: ١٤، وذلك طالما أنَّ ذلك الأمر لا يقود إلى ارتكاب المعاصي والخطايا، كما يرد في أعمال الرسل ٥: ٢٩.

اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ، العبرانيين ١٢: ١٤

فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَالرُّسُلُ وَقَالُوا:«يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ. أعمال الرسل ٥: ٢٩

وبالتالي فإنَّ إرضاء الآخرين وفق المعنى السابق إنما هو إرضاءٌ لله إذ أنَّه سعي إلى السلام. لكن إن كان الأمر يتطلب منا الإختيار بين ارضاء الناس وإرضاء الله، فإنَّ الواجب الأخلاقي المُلزم علينا هو أن نختار إرضاء الله (أعمال الرسل ٤: ١٩؛ التكوين ٣: ١٧؛ صموئيل الأول ١٥: ٢٤؛ متى ٧: ٨).

فَأَجَابَهُمْ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا وَقَالاَ:«إِنْ كَانَ حَقًّا أَمَامَ اللهِ أَنْ نَسْمَعَ لَكُمْ أَكْثَرَ مِنَ اللهِ، فَاحْكُمُوا. أعمال الرسل ٤: ١٩

وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. التكوين ٣: ١٧

فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: «أَخْطَأْتُ لأَنِّي تَعَدَّيْتُ قَوْلَ الرَّبِّ وَكَلاَمَكَ، لأَنِّي خِفْتُ مِنَ الشَّعْبِ وَسَمِعْتُ لِصَوْتِهِمْ. صموئيل الأول ١٥: ٢٤

إن الرب يسوع المسيح كان قد أكَّد على هذا الأمر حين قال: ”تُحِبُّ الربَّ إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأُولى والعُظمى. والثانية مثلها. تُحبّ قريبك كنفسك.“ (متى ٢٢: ٣٧-٣٨). من المُهم لنا أن نقوم بالتمييز وملاحظة أنَّ محبَّة الآخرين لا تعني بالضرورة إرضاءهم.

إن الآيات التي قام الناقد بتقديمها تتوافق مع المبدأ السابق. ومن الملاحظ أنَّه قام بانتزاع الآية الواردة في رسالة رومية ١٥: ٢ من سياقها النصي، حيث أن الآية التعليم الواضح من السياق هو أنه من الواجب علينا أن نهتم بالآخرين وليس بذواتنا فقط؛ أي أنَّ الآية لا تشير بأي طريقة كانت إلى أنَّ إرضاء الآخرين أكثر أهمية من إرضاء الله. وكذلك هو الحال في الآيات الواردة في كورنثوس الأولى ١٠: ٣١-٣٣، حيث أن هذه الآيات تُعلم بأنَّه يجب علينا أن نقوم بجميع الأعمال إرضاءً وتمجيداً لله، وكذلك بوجوب تجنب وضع عثرات أمام الآخرين حين لا يتعارض ذلك الأمر مع واجباتنا تجاه الله. أما في رسالة غلاطية ١: ١٠، فإن بولس الرسول يؤكد على التعليم الأساسي بأنَّ الهدف الأوَّل والأسمى هو إرضاء الله وليس إرضاء الناس.


الأخطاء المنطقية المُستخدمة في هذا الإعتراض:

وهي فشل في ملاحظة كون بعض المبادئ التي وضعت بصفة عامة تمتلك بعض الاستثناءات. فسفر الأمثال هو خير مثال عن هذا التعميم - ان الأشياء المذكورة فيه هي صحيحة في معظم الظروف، ولكن يوجد بعض الإستثناءات. وهنا تحدث مغالطة التعميم غير الدقيق حين يتم الإفتراض بكون الاستثناءات هي تناقضات. إنَّه ليس بتناقض حين يتم تقديم تصريح بأنَّه ”في معظم الأحيان أ لكن أحياناً ليس أ.“ على سبيل المثال، إن الطلاق بشكل عام هو غير مقبول وبدقة أكبر هو غير مقبول إلا في حالة الخيانة. وبالتالي فإن ذلك ليس بتناقض بأن يتم التصريح بأن الطلاق هو مقبول (بمعنى أنَّه ليس خطيئةً) في حالة الزنى.اقرأ المزيد عن مغالطة التعميم واسع النطاق وغير الدقيق

القراءة غير الدقيقة للنصوص هو خطأ شائع يحدث حين يقوم الناقد بقراءة النصوص بطريقة سطحية ودون بذل أي مجهود لمحاولة فهم النصوص ضمن سياقها النصّي والتاريخي والأدبي. وهي فشل في قراءة النصّ بطريقة تتوافق مع الأسلوب الأدبي الذي كُتب به. فالكتاب المقدس يحتوي على عدة أساليب مختلفة في الكتابة مثل: التاريخ (التكوين، الخروج، الملوك)، الشعر (المزامير، نشيد الأنشاد، الأمثال)، النبوءات (حزقيال، رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الأمثال (أمثال المسيح في الأناجيل). ولا يمكن أن يتم تفسيرها جميعاً بأسلوب واحد. فالشعر بالعادة يحتوي على الصور الأدبية والتعبيرات المجازية، في حين أن السرد التأريخي يقرأ بطريقة حرفية. ومن عدم الأمانة للنص أن يتم تفسير النص المكتوب بطريقة شعرية على أنه سرد تأريخي أو تفسير السرد التأريخي على أنه شِعر. فعلى سبيل المثال، حين يتسائل كاتب المزمور عن سبب عم إجابة الله للصلاة؟ لماذا ينام الرّب؟، لا يجب أن يتم أخذ معنى ”النوم“ في هذه الحالة على أنّه نوم حرفي وإلا يعتبر هذا تفسيراً غير واعياً للنص ويفتقر للأمانة. ولكننا نجد البعض من الناقدين يستعملون هذا النوع من الأخطاء كما في #٤٠٠. سوف نجد العديد من الأخطاء التي تُرتَكَب من قِبَل الناقدين والتي يمكن وصفها بكل بساطة على أنَّها ”فشل في قراءة النص بتأنٍّ وانتباه.“ حيث أنَّه وعلى ما يبدو أن الناقد قد قرأ النص بشكل معزول وخارج سياقه، الأمر الذي قاده إلى الخروج بتفسير لا يمكن للقارئ الحذر أن يخرج به. فإنه سيكون من السُّخف القول بأنَّ ”الكتاب المُقدَّس يقول بأنَّه ليس إله من المزمور ١٤: ١“ ذلك أنَّ سياق الآية يقول بأنَّ ” قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلَهٌ».“ بالرغم من وضوح الأمر إلا أننا نجد عدداً من النُّقاد يسقطون في أخطا. إن بعض الأخطاء التي يرتكبها الناقدين لا يمكن أن يتمّ وصفها إلا بأنَّها ”خداع.“، وهي تلك الحالات التي لا يوجد أي نوع من التناقض الظاهري بين الآيات. وإنَّ أي شخص عقلاني سيلاحظ ذلك حتى من القراءة الأولى للنص، بالرغم من ذلك نجد أنّ هذا النوع من التناقضات المفترضة مُدرَج على لوائح تناقضات الكتاب المُقدَّس، التي يمكننا أن نقول عنها بأنها لوائح مُخادعة قام بوضعها النقّاد آملين في أنَّها سُتبهر من يطَّلع عليها فلا يقوم بمراجعتها. وللأسف هذا ما يحدث في كثير من الحالات.