مسَحَ، מָשַׁח [ماشاخ]

مسَحَ، מָשַׁח [ماشاخ]

Cover Image for: anoit

كانت طقوس المسحة بالزيت العَطِر في الشرق الأدنى القديم طقساً احتفالياً يرمز إلى انتقال القداسة من إحدى الآلهة إلى ذلك الشخص أو الشيء الذي يتم مسحه بالزيت، وبالتالي فإنَّه كان يعتبر نوعاً من أعمال التكريس. إلا أنَّ الشعوب القديمة قامت أيضاً بممارسة المسح بالزيت خارج نطاق الاحتفالات الطقسية الشعائرية حيث كانوا يدهنون دروعهم وأجسادهم بالزيوت وذلك لأغراض تجميليّة أو علاجيّة.

يوجد العديد من الشعوب والثقافات التي انتشرت في الشرق الأدنى القديم ممن مارسوا المسحة الطقسية. على سبيل المثال، نجد في رسائل تلّ العمارنة التي اكتشفت في مصر تسجيلات تتحدث عن مسح الملوك في سوريا وفلسطين على أساس التبعية والطاعة للفرعون المصري. فالمصريون لم يكونوا يمسحون الفراعنة إنما كانوا يمسحون كبار المسؤولين في السلطة. والحثيون هم الآخرون قاموا بمسح الملوك بما يدعونه ”زيت الملوك المقدَّس“ حتى أنَّ هذا الطقس كان يصبح جزءاً من اللقب الرسمي للملك (على سبيل المثال نقرأ عن ”تبارانا الملك العظيم الممسوح“. أما في بلاد مابين النهرين فإنه كان يتم نصب حجارة منقوشة أو تماثيل للرجال العظماء تكريماً لهم، وكان على خلفاءهم أن يقوموا بمسحه بالزيت. وعلى ما يبدو أن هذا الأمر كان وسيلة لتكريم الموتى وللحصول على نوع من بركات الآلهة التي ترتبط بحاية ذلك الشخص.

أما في الكتاب المقدس فإن الربَّ قد أمر صموئيل النبي أن ”يَمْسَحَ“ داود ابن يَسَّى البيتلحمي ليكون ملك اسرائيل في صموئيل الأول ١٦: ٣. وفي ذلك الوقت كان داود شاباً صغيراً يرعى أغنام أبيه، إلا أن ذات الشّاب اليافع سيكبر وينمو ويشتدَّ ليصبح أعظم ملوك اسرائيل.

إن الفعل العبري مَسَحَ מָשַׁח يعني ”دَهَنَ بالزيت“، إلا أن الزيت المخصَّص لهذه العملية كان زيتاً مُعدَّاً بطريقة خاصَّةٍ ووفق شروط وإجراءات محدَّدة في سفر الخروج ٣٠: ٢٢-٣٣. كان هذا الزيت مُعداً لمسح (دهن) رئيس الكهنة هارون وأبناءه (الخروج ٢٨: ٤١). وبالإضافة إلى الملوك والكهنة كان هذا الزيت مُعداً لمسح الأنبياء كما حدث مع أليشع (الملوك الأول ١٩: ١٦).

لكن السؤال هو، لماذا يتم مسح أي شخص؟
إن الرب الإله قد أعطى تعليمات لصموئيل لكي يقوم بمسح داود لأنه قد نظر إلى قلب داود (صموئيل الأول ١٦: ٧). ومسحة صموئيل لداود بالدهن قد أنتجت قُوةً في داود من خلال عمل روح الرب فيه (صموئيل الأول ١٦: ١٣). إن المسحة كانت إشارةً خارجية وعلامة على أنَّ الله رأى ماكان يدور بخلج داود وقد اختاره لكي يكون ملكاً. ثمَّ ثبَّت الإختيار ومكنه من خلال مَسْحِهِ بالروح القدس.

إن مَسْحَ هارون وأبناءه ككهنة تضمَّن دهناً بالزيت المقدس. وقد أظهروا إخلاصهم وتفانيهم للرب وخاصة في حادثة العجل الذهبي (الخروج ٣٢: ٢٧-٢٩). وكان موسى قد مسحهم بدهن المسحة وبالقليل من الدم من على المذبح (اللاويين ٨: ٣٠). وبعد ذلك أكد الله خدمتهم وثبتها من خلال قبوله الذبائح والمحرقات التي كانوا يقدمونها (اللاويين ٩: ٢٣-٢٤).

دهن المسحة هذا كان مصنوعاً من مزيجٍ خاصٍّ من الزيوت العطرة والنباتات العطرية (الخروج ٣٠: ٢٥) ولم يكن من المسموح لأي شخص أن يستخدمه لأي غرض وإلا فإنه كان يُقطع من شعبه (الخروج ٣٠: ٣٣). أما من الناحية الروحية فإن المسحة كانت أمراً يمكن لأي شخص أن يختبره كما نقرأ في المزمور ٢٣: ٥، حيث أن كاتب المزمور يجعل الأمر شديد الوضوح، فقد فاض كأسه جرّاء البهجة بمسح الرب له. وداود قد انتقل هو الآخر من رعي الأغنام إلى منصب ملك اسرائيل، وعمليه المسح بالدهن لم تكن أكثر من فعل رمزي لواقع كان أعمق وأعظم يعكس حضور الله في حياته (صموئيل الأول ١٦: ١٣؛ المزمور ٢٠: ٦؛ ٢٨: ٨).

أما في العهد الجديد فإن الرب الإله قد أعطى تعليماتٍ للشعب بأن يقوموا بمسحة الزيت للشفاء من الأمراض، مرافقين ذلك بالصلاة (رسالة يعقوب ٥: ١٤). إلا أن الأمر الأهم هو المسحة الخاصة للرب الإله التي تمَّت ليسوع ليقوم بنقل الخبر المفرح أي رسالة الإنجيل (لوقا ٤: ١٨؛ أعمال الرسل ٤: ٢٧). ونجد أن بطرس قد أشار إلى المزمور ٢: ١-٢ وعلَّم بانطباقه على يسوع وذلك لأن يسوع كان ”المُختَار“ الذي فيه حلَّ كل ملئ اللاهوت. وكلمة ”المسيح“ تعني ”الممسوح“ الذي اختاره الله. والله قد مسح كل واحد منا في المسيح يسوع بالروح القدس. فيسوع هو الذي أظهر نفسه لنا أنَّه الإله المتجسِّد، المسيح الملك، المسيح النبي والمسيح الكاهن! ويعلن لنا يوحنا البشير أننا جميعاً لدينا مسحة من القدوس (رسالة يوحنا الأولى ٢: ٢٠، ٢٧)، وبأننا مختومين ومحفوظين من قبل الله (المزمور ١٠٥: ١٥). والله هو من سيعمل فينا من خلال الروح القدس الحالّ فينا ويثبتنا على هذه المسحة إلى مجيء يوم الرب العظيم.


الآيات المفتاحية:

الخروج ٢٩: ٧ ”وَتَأْخُذُ دُهْنَ الْمَسْحَةِ وَتَسْكُبُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَتَمْسَحُهُ.“

الخروج ٣٠: ٢٦ ”وَتَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ، وَتَابُوتَ الشَّهَادَةِ،“

صموئيل الأول ١٦: ٣ ”وَادْعُ يَسَّى إِلَى الذَّبِيحَةِ، وَأَنَا أُعَلِّمُكَ مَاذَا تَصْنَعُ. وَامْسَحْ لِيَ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ».“

صموئيل الأول ١٦: ١٢-١٣ ”فَأَرْسَلَ وَأَتَى بِهِ. وَكَانَ أَشْقَرَ مَعَ حَلاَوَةِ الْعَيْنَيْنِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «قُمِ امْسَحْهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ». فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَرْنَ الدُّهْنِ وَمَسَحَهُ فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ. وَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا. ثُمَّ قَامَ صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إِلَى الرَّامَةِ.“

الملوك الأول ١٩: ١٦ ”وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ.“


مراجع: